top of page

كنزة خطو: "قراءة في أرقام العنف ضد النساء بين التطبيع المجتمعي، ضعف القوانين، والإفلات من العقاب"

  • cfda47
  • 8 فبراير
  • 3 دقائق قراءة

يُعدّ العنف ضد النساء أحد أكثر القضايا الملحّة التي تواجه المجتمعات، إذ لا تزال الأرقام تعكس واقعًا مأساويًا يتكرر عامًا بعد عام. في الجزائر، تشير الإحصائيات إلى أن الغالبية العظمى من مرتكبي جرائم العنف ضد النساء هم أشخاص معروفون للضحايا، وهو ما يعكس البنية العميقة لهذه الظاهرة وأسبابها المتجذرة في الثقافة المجتمعية والقوانين السائدة.


بحسب تصريح كنزة خطو، الناشطة النسوية وعضوة في منظمة “فمينيسيد الجزائر”، فإن عام 2024 لم يختلف كثيرًا عن الأعوام السابقة من حيث انتشار العنف ضد النساء، حيث أظهرت الإحصائيات أن 42.6% من الجرائم ارتكبها الشركاء أو الشركاء السابقون، بواقع 36.2% للأزواج و6.4% للأزواج السابقين. كما أن التقارير الصادرة بين عامي 2019 و2022 أكدت أن معظم الجناة هم بالفعل أشخاص معروفون للضحايا.


وبينما تحاول المنظمات النسوية جمع البيانات وتوثيق الحالات، يبقى الوصول إلى أرقام دقيقة أمرًا معقدًا بسبب ضعف الشفافية، وغياب الإحصائيات الرسمية المفصلة، وصعوبة الإبلاغ عن هذه الجرائم بسبب العوامل الاجتماعية والقانونية التي تمنع النساء من الإفصاح عما يتعرضن له.


تشير كنزة خطو إلى أن العنف ضد النساء لا يحدث في فراغ، بل هو نتيجة تراكمات مجتمعية وثقافية وقانونية تعزز استمراره، ويمكن تلخيص أبرز هذه العوامل في الثقافة الذكورية وهيمنة الشريك، حيث لا تزال بعض المجتمعات تنظر إلى النساء كممتلكات خاصة للرجال، مما يمنح هؤلاء الأخيرين شعورًا بالحق في التحكم بهن، ومعاقبتهن عند محاولة التمرد، أو الاستقلال، أو حتى الانفصال.


التطبيع مع العنف الأسري، حيث تعيش الكثير من النساء في بيئات تتقبل العنف وتبرره، خاصة داخل الأسرة، مما يؤدي إلى بقائهن في علاقات مسيئة خوفًا من الوصم الاجتماعي والعائلي.


العقبات القانونية وضعف تطبيق القوانين، بحيث انه حتى عندما تحاول الضحايا اللجوء إلى القانون، يواجهن عقبات تحول دون حمايتهن، مثل ضعف تنفيذ القوانين وعدم كفاءتها.على سبيل المثال، يسمح “بند الصفح” في القانون الجزائري للمرأة المعنفة بالتنازل عن شكواها ضد المعتدي، مما يؤدي إلى إفلاته من العقاب واستمراره في تعنيفها،


وقد يصل الأمر إلى قتلها. واخيراً العوامل الاقتصادية والتبعية المادية، والتي تجعل العديد من النساء غير قادرات على مغادرة العلاقات العنيفة بسبب التبعية الاقتصادية، حيث يجدن أنفسهن دون مصدر دخل مستقل، مما يجعلهن غير قادرات على توفير الدعم القانوني أو حتى تأمين احتياجاتهن اليومية.


تؤكد كنزة خطو أن التعامل مع العنف ضد النساء يتطلب حلولًا متعددة الجوانب، تبدأ من إصلاح القوانين وتنتهي بتغيير الثقافة المجتمعية. فمن الناحية القانونية، هناك حاجة ماسة إلى الاعتراف بجرائم قتل النساء كظاهرة قائمة بذاتها، بدل تصنيفها كحالات فردية، تشديد العقوبات ضد الجناة، لضمان عدم إفلاتهم من العقاب،


إلغاء القوانين التي تعزز التمييز، مثل “بند الصفح”، الذي يسمح للجناة بالإفلات من المسؤولية، و تعزيز آليات الحماية، مثل توفير مراكز إيواء آمنة للنساء المعنفات، وضمان استمرار حمايتهن بعد خروج الجناة من السجن.


أما على الصعيد المجتمعي، فإن التغيير لا يمكن أن يحدث دون جهود متضافرة بين الإعلام، المؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني. فمن الضروري إصلاح المناهج التعليمية لتشجيع ثقافة المساواة بين الجنسين منذ الصغر، كذلك دعم الإعلام في تغطية قضايا العنف ضد النساء بشكل أعمق، بدل معالجتها كأحداث معزولة، و تعزيز دور النساء في مناصب صنع القرار، خاصة في القضاء والسياسات العامة.


تلعب وسائل الإعلام دورًا أساسيًا في تشكيل الوعي حول العنف ضد النساء، إلا أن الكثير منها لا يزال يعالج هذه الجرائم بسطحية، مما يؤدي إلى تطبيعها بدلاً من التصدي لها. كما أن الأزمة المالية التي تعاني منها العديد من المؤسسات الإعلامية أثرت على التغطية المتخصصة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي.


إضافة إلى ذلك، يتم في بعض الحالات تبرير أفعال الجناة بادعاءات مرضهم العقلي، وهو ما يُستخدم غالبًا عندما يكون القاتل رجلًا والضحية امرأة، مما يعكس التحيز المجتمعي في التعامل مع هذه القضايا.


العنف ضد النساء ليس مشكلة فردية أو نفسية، بل هو قضية اجتماعية متجذرة في التمييز البنيوي ضد المرأة. الحل لا يقتصر فقط على تطبيق القوانين بصرامة، بل يجب أن يشمل تغيير الذهنيات عبر إصلاحات واسعة في التعليم، الإعلام، والسياسات العامة.


إن القضاء على العنف ضد النساء يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الجهات، سواء الدولة، الإعلام، أو المجتمع المدني، لضمان حياة آمنة وكريمة لكل امرأة.



حكيم. ش

Comments


bottom of page