top of page

أرزقي كريم، جسد وذاكرة شاهدان على فضاعة الإستعمار


سنوات بعد الإستقلال، أرزقي كريم متأملا صورته وهو مصاب بحروق بالنابالم أثناء الثورة.


مرت ثلاثة أسابيع منذ وفاة المجاهد كريم أرزقي، واحد من مجاهدي جيش التحرير الوطني وكبير معطوبي ثورة التحرير الجزائرية، وهو شقيق كريم بلقاسم القائد التاريخي للثورة الجزائرية. أردنا بهذه الكلمات أن نحاول التعريف بهذا الوجه من بين وجوه كثيرة ممن صنعوا مجد ثورتنا التحريرية، والذي جابت صورته العالم بعد أن شوهته حروق النابالم كشاهد على فضاعة الإستعمار. ولد أرزقي كريم أو عمي أرزقي كما يحلو للبعض مناداته، يوم 19 نوفمبر 1934 في قرية تيزرى عيسى بدوار أيت يحيى موسى (دائرة ذراع الميزان) بولاية تيزي وزو. من عائلة ميسورة، خصوصا مع الوضع المزري السائد عند باقي العائلات الجزائرية آنذاك، كان أبوه الحاج الحسين تاجرا كما كان يعمل أيضا حارسا للغابة، لكن ما إن انتقل شقيقه كريم بلقاسم من العمل السياسي إلى التحضير المسلح للثورة سنة 1947 بدأت أوضاع عائلته تتأزم وساءت علاقتها مع السلطات الفرنسية.


مع بداية الثورة سنة 1954 أصبح والده و إخوته مطلوبين من جيش الإستعمار الفرنسي، ليتم اعتقال والده وشقيقه رابح أثناء محاولة الإستعمار الفرنسي القبض على أخيه كريم بلقاسم عام 1955 فهرب إلى فرنسا أين بدأ النشاط في فيديرالية جبهة التحرير الوطني إلى غاية انكشاف أمره ويصبح ملاحقا من قبل الشرطة الفرنسية، كي يلجأ بعد ذلك للفرار مرة أخرى وهذه المرة إلى ألمانيا.

أثناء فترة شبابه، كان محبا للرياضة بصفة عامة و الملاكمة بصفة خاصة وقد بدأ سيرته فيها. لكنه تخلى عن الملاكمة بعد ذلك وتفرغ كلية للثورة حيث التحق بالقاعدة الشرقية بالحدود الجزائرية التونسية بمركز التدريب العسكري حول الإمداد بالأسلحة، كي يدخل بعد ذلك وينظم إلى الفيلق 13.

في سنة 1960 تعرض لحروق بالغة بالنابالم و هو يحاول مع مجموعة من المجاهدين تمرير الأسلحة و الإمدادات العسكرية الأخرى و الطبية للمجاهدين بالداخل عبر الحدود التونسية مخترقا "خط شال" الذي هو عبارة عن أسلاك شائكة مكهربة و حقل من الألغام مثل التي وضعها وزير الدفاع الفرنسي أندريه موريس على الحدود المغربية الجزائرية من أجل عزل الثوار عن الخارج و منع المساعدات عنها. كي يتم بعد ذلك نقله إلى تونس ثم إلى مصر للعلاج أين مكث في مستشفياتها ستة أشهر. قامت جبهة التحرير الوطني حينها بإرسال صوره وصور مجاهدين آخرين كي تجوب الصحافة العالمية مظهرة بشاعة استخدام الحرق بالنابالم كسلاح حربي.

كان يحكي أن أثناء فترة علاجه في مصر مع مجموعة مجاهدين آخرين، كانت الفنانة وردة الجزائرية تزورهم وتغني لهم للرفع من معنوياتهم.

قضى عمي أرزقي السنوات الأولى من الإستقلال في العلاج، كي يعود بعد ذلك إلى الحياة الطبيعية، ولو بجسد لا يزال شاهدا على الحرب، أين عمل في مختلف مؤسسات إعادة التربية و السجون: تيزي وزو، البرواقية، الحراش، و الجنوب الجزائري. إيصال كلمة المسجونين ظلما إلى السلطات العليا (مساجين الرأي و الربيع الأمازيغي بالبرواغية) و تحسين أوضاع السجون كان من بين أهم انشغالاته، إضافة إلى الدعوة لحماية أرامل الشهداء و أطفالهم، كلما سنحت له الفرصة.


لا يتخلف عن أي مناسبة وطنية ثورية من أجل التذكير بتضحيات الشهداء و المجاهدين من أجل الحرية، العيش الكريم، العزة والإفتخار بالوطن، الوقوف على التذكير و النداء إلى تجسيد نصب تذكارية ثورية على أرض المعارك الثورية أين إستشهد رفقاء دربه من المجاهدين كمعركة 6 جانفي 1959 في "بوڨرفان" والتي إستمرت لأيام و سقط فيها أكثر من 384 شهيد، هذا حسبه من أجل أن تدرك الأجيال التي لم تعش الثورة عظمتها، و تاريخ البلاد وكيف أن كل شبر من أرض الجزائر سقي بدماء الشهداء، ولا يكف عن الوعظ لإيلاء العناية اللازمة بمقابر الشهداء و المعالم التاريخية، و إعطاء أهمية للمؤسسات المتحفية التاريخية كبيت العائلة كريم الذي تم تحويله إلى متحف، بيوت القادة الثوريين والبيوت التي إنعقدت فيه المؤتمرات والإجتماعات المهمة التي غيرت مجرى تاريخ الجزائر.


كان يشدد في كل تدخلاته الصحفية و في الكلمات التي يلقيها في المناسبات التاريخية على ضرورة الحفاظ على التراث التاريخي و الثقافي و تبليغه للأجيال الصاعدة و أن حماية رموز الثورة من تحريف و تزوير التاريخ مهمة الجميع، لكن بالأخص المثقفين و كبار أساتذة التاريخ.


عاش عمي أرزقي في شقة بسيطة في مدينة ذراع بن خدة، وعاش قريبا من الشعب خصوصا الشباب الذين كثيرا ما كان يحثهم على التمسك بحب الوطن و الانتماء إليه مهما ساءت الأمور. فكان يعتقد أن السبيل لكسب الفرد لاحترام المجتمع وبناء مستقبل زاهر للبلد يقوم بالعلم والسعي وراء العمل الشريف، والرياضة.


أما شهاداته عن الثورة فقد إختصرها فقط فيما عاشه من أحداث و ما سرده له كبار المجاهدين من وقائع. فقد كان يؤمن أن ذكر الأحداث الثورية بتفاصيلها الدقيقة و الصحيحة أمانة لا يجب التلاعب بها فالمجد و الشرف يعود لأبطالها فقط. إبتعد عن العمل السياسي و لم يساند أي حزب و لم يدلي بأي تصريح سياسي. و بل كان رافضا لأي تفرقة بين أفراد الشعب الوحد، و خطاباته في المناسبات الثورية تنادي بأن قوة الوطن في شعبه و السياسي المحنك هو من يحتمي بشعبه للنهوض به إلى الرقي بعيدا عن الشعبوية السلبية.

توفي أرزقي كريم عن عمر يناهز 88 سنة، يوم 25 أكتوبر 2022 بالمستشفى الجامعي محمد نذير بتيزي وزو بعد تعرضه لجلطة دماغية، التي كانت نتيجة ضغط التحضير لذكرى إغتيال شقيقه كريم بلقاسم في 18 أكتوبر 1970 و إحياء مناسبة إندلاع الثورة أول نوفمبر 1954، غير مستسلم للوعكة الصحية و العمر المتقدم. رحل حاملا معه الكثير من أسرار الثورة، خصوصا ما تعلق بشقيقه كريم بلقاسم التي لم تسمح له الظروف لذكرها.


ردوان كريم / ماجيد صراح

64 vues0 commentaire

Comments


bottom of page