لوحة للفنان الجزائري محمد إيسياخم (1928 - 1985)
مقال رأي: هناك نوع من الناس قبل أن تقرأ بعض الكتب الفلسفية و الأدبية، كان لها مشروع أو كانت تخطط للذهاب إلى الجنة. و طبعا الجنة ليست مدينة من الواقع الملموس. تصادمت مع المنطق العلمي و الفلسفات الوجودية، العدمية، و العبثية. اعتقدت أنها أصبحت حرة من القيود الدينية، الواجبات الأخلاقية، و الجانب العاداتي و أعراف المجتمع. بعد التخلي عن هدف حياتهم الذي هو التحضير للسفر الأخير نحو أرض الجنة في كوكب الميتافيزيقا، وجدوا أن الحياة أصبحت بلا معنى أو هدف.
لو نأخذ مثلا الكاتب الأكثر تكرارا على أفواههم، ألبرت كامو، نجد أنه عندما تحدث عن العبثية لم يكتفي بإخبارنا بأن الطبيعة أو الحياة لا مبالية بمصيرنا أو ما يقع لنا فقط، بل قدم لنا براهين كثيرة لنقبل لا مبالاة الطبيعة اتجاه ما يحدث و يقع لنا، و أن نعمل على تقبل العالم كما هو و ليس كما نريده، و نحب الحياة لما هي و ليس كما نتمنى أن نراه فيها. كامو شرح العبثية و دعا الناس إلى الإنسانية و الحب. عاش من أجل تحقيق أهداف صنعها بنفسه لنفسه، من مسرح، صحافة، و كتابة الرواية. عاش مستمتعا بالحياة، بالسفر، بالقراءة، حب الممثلة ماريا كازاريس، و مرافقة أصدقائه كميشال غاليمار، ريني شار، أندري جيد، الأستاذ جيرمان و غيرهم.
عاش كامو حياته القصيرة حياة صاخبة و لم يعشها غائما و حزينا، حياة بلا هدف و بلا معنى. الكثير من الفاشلين الذين لم يتمكنوا من فهم كامو و الفلسفة مثلما جعلها المتعصبون الدينيين مجالا ضد النص الديني، هم جعلوا منها سببا للبرود، الكسل، و عدم السعي وراء أحلامهم. الفلسفة وجدت لفهم الحياة أكثر، فهم النفس، والإستمتاع بالدنيا بحكمة أكبر.
لا يمكنك أن تقرأ كتاب طبخ أو تفسير الأحلام أو كيف تتحدث أمام الجمهور و مختلف كتب البناء الذاتي و حتى بعض كتب فرويد المتناثرة هنا و هناك! (ليس نقدا و لا إنقاصا لعظمة الكاتب و إنما نقدا لسطحية قراءة أصحاب النفسيات المهتزة له.) تعتقد أنك فهمت كل شيء و أصبحت مثقفا جدا.
تعتقد بذلك أن الحياة لا قيمة لها و لا شيء فيها له معنى. الإنسان ليس محور الأرض و كوكب الأرض مستقل بذاته و الكائنات التي تعيش عليه كلها متساوية و كلها عرضة للانقراض. ملايير من الناس ماتوا منذ ألاف السنين و لا أحد كان أساس الحياة و قلبها النابض. الحياة لا مبالية و لا تكترث بك. الحياة ليس لها معنى و لكن لها معاني كثيرة. أنت فقط من يمنح معنى لحياتك، حسب ما تريد و ترغب. مارادونا كانت كرة القدم محور حياته و بدونها حياته ليس لها معنى. ألبرت أينشتاين كل حياته كانت منصبة على الفيزياء و منها يستمد وجوده. جون بول سارتر كان التفكير في الحياة و كتابة أفكاره و صنع أرائه حول الأحداث التى تحصل حوله هو ما يعطي لحياته معنى و السبب الذي يعيش من أجله. لوتشيانو بافاروتي لم يكن لحياته أي قيمة لولا الموسيقى و الأبرا. و عاش أحمد ديدات ينشر الإسلام و الأم تيريزا تقوم بالأعمال الخيرية باسم المسيح. معنى الحياة لا يأتي بشكل عام بل بشكل خاص و فردي و من الإنسان و ليس من الحياة.
ما يمنح معنى لحياتك ليس له أي معنى و قيمة بالنسبة لشخص آخر، و العكس صحيح. وإذا كنت لا تملك هدفا أو معنى لحياتك، لا تخف و لا تجزع. استرخي واهدأ ولا تقلق. هدفك في الحياة هو ما تحبه و ما لطالما أحببت القيام به. إنه ما يجعلك سعيدا. وما يجعلك تستيقظ كل صباح لتحارب من أجله و لا يهم إن كان ماديا أو معنويا. فقط فكر ماذا تود أن تفعل أو ماذا سيخفف عنك ألم عدم اكتراث العالم لما أنت فيه من ظرف. معنى الحياة هو تجسيد لوعي الإنسان و ترجمة لأفكاره إلى أفعال. إن لم تستطع خلق هدف لك فأنت لم تخرج من العدمية أو العبثية فهي ليست إلا مرحلة انتقالية بين معنى حياة منحه لك المجتمع، الثقافة، و الدين الذي تنتمي إليه ومعنى الحياة الذي تبنيه بنفسك. الاستهزاء بالقيم، حال الناس إزاء معنى الحياة الجماعي، و أخلاق و قيم المجتمع المتحكمة بالعابد المؤمن و المواطن العادي، والاكتفاء بالنظر فقط و السخرية من الأقدار هو فشل في إيجاد غايته الخاصة. إن الفرد من هذا النوع إنصدم من سخافة، تناقضات، و خيبة أمله في المعنى العام للحياة و انبهر بالتحرر وفك القيود الدينية والمجتمعاتية، وهدم الأخلاق الروتينية الوراثية الغير واعية، اللامنطقية ولا علمية. و لكنه لم ينتقل إلى خلق قيمه، أخلاقه، أهدافه و معنى حياته الخاصة كما تقترحه الفلسفات العدمية انطلاقا من فلسفة شوبينهاور مرورا بفريدريك نيتشه الذي صاغ لها تعريفا و حلولا و فلسفات من تبع نهجهم.
على الإنسان أن يكون سيد نفسه، سائق قدره، متحكما بزمام أمور حياته، خالقا لها معنى و غير خائف من مفاجآة الحياة، صانع أخلاق و قيم قابلة للنقد، التطور، و التغير. هكذا تشترط الفلسفات الإنكارية و العدمية في جوهرها على قرائها.
ردوان كريم
مقالات الرأي المنشورة في موقع إذاعة من لا صوت لهم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر فريق تحرير الإذاعة.