حُكم على 7 تونسيين بـ10سنوات سجنا في الجزائر، بعد أن تمت إدانتهم بتهمتي التهريب والمضاربة، إثر “ضبطهم على متن حافلة لنقل المسافرين متوجهة لتونس، معبأة بكميات من المواد الغذائية”. وتظهر السلطات الجزائرية، منذ نحو سنة، شدّة في التعامل مع المضاربين في السلع المدعمة، بعد شكاوى المواطنين العديدة من ندرة مواد أساسية في الأسواق.
بعد إصدار حكم بسجنهم 10 سنوات ثم في طور استثنائي خفض العقوبة إلى خمس سنوات سجناً، لا يزال مصير سبعة تونسيين في الجزائر يلفه الغموض في وقت تقول فيه السلطات القضائية إن هؤلاء تم ضبطهم بصدد تهريب مواد غذائية مدعمة وهو ما تحظره الجزائر، لكن هذه التهمة ينفيها التونسيون المعنيون بالأمر.
وفي وقت سابق ناشدت عائلات تونسية الرئيس قيس سعيد بالتدخل من أجل إطلاق سراح الموقوفين، لاسيما في ظل علاقاته المزدهرة مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، ولم يتضح بعد ما إذا كان هناك تدخل فعلي لحلحلة هذا الملف الذي لم تقتصر ردود الفعل الغاضبة عليه في الداخل التونسي، بل شملت كذلك الجزائريين بعد أن أعربت أوساط سياسية وحقوقية عن استيائها من هذا الحكم.
"من يهرب مواد غذائية مدعمة يقوم بذلك على دروب للتهريب ليس على مستوى الطريق الرئيس وأمام أعين الجمارك، وضعيتهم كانت قانونية وبعيدة من أي تهريب" تقول عائلات الموقوفين.
وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير، في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، إن "حيثيات القضية تعود إلى نهاية العام الماضي، يوم الـ18 من ديسمبر، إذ تم ضبط تسعة أشخاص على متن حافلة سياحية، سبعة تونسيين واثنين جزائريين وتم تحرير محاضر بتهمة التهريب والاحتكار والمضاربة، وتم في مدة وجيزة كانت تشهد فيها تونس انتخابات برلمانية الحكم ضدهم بـ10 سنوات سجناً من طرف القضاء الجزائري بمدينة تبسة".
"القضاة اعتمدوا في قرارهم على مرسوم صادر عن الحكومة الجزائرية لمقاومة ومكافحة تهريب السلع المدعومة الأمر الذي فاجأنا خصوصاً أن 10 سنوات عقوبة ثقيلة ولم تكن هناك شروط محاكمة عادلة بالإسراع بهذه المحاكمة، وأيضاً لم تكن هناك عملية تهريب أصلاً لأنهم على متن حافلة سياحية رسمية، وتم توقيفهم في بوابة قبل الوصول إلى المعبر الحدودي، أي في طريق قانونية وليس في مسلك ريفي أو مواز يسمح بالتهريب". وأكد أن "التونسيين دفعوا ثمناً باهظاً على رغم أنه من المفروض ملاحقة أباطرة التهريب الحقيقيين الذين ينشطون على الحدود من الاتجاهين، من بين هؤلاء رجل مسن يفوق عمره 71 سنة، وأصبحوا يواجهون مصيراً غامضاً".
وشدد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان أنه "في نهاية الأمر نطالب بإطلاق سراحهم بخاصة أن القضاة لم يستمعوا خلال محاكمة المتهمين حتى للمرافعات أو للمتهمين بل مباشرة أصدروا أحكامهم، بالتالي على وزير الخارجية التونسي الجديد أن يتحرك لحلحلة هذا الملف".
ولم تعلق السلطات التونسية بشكل رسمي على القضية، لكن مصدراً في وزارة الخارجية قال إن "الوزارة بصدد متابعة القضية من أجل إيجاد حل لها". وأضاف المصدر أن هذه الجهود التي تبذلها الوزارة هي لإيجاد حل لكن من دون التدخل في استقلالية القضاء الجزائري، لكن هذه الجهود لم تثمر بعد أي تقدم من شأنه طمأنة عائلات الموقوفين في الجزائر.
فيما استنكرت زعيمة حزب العمال اليساري في الجزائر لويزة حنون ، الأحكام القضائية الصادرة بحق التونسيين، في أول رد فعل من مسؤول سياسي في البلاد حول هذه القضية، وقالت إن حزبها يعبر عن استيائه الشديد إثر اعتقال وحبس أشقاء تونسيين قصدوا الجزائر للتبضع لأن تونس تعيش وضعا اجتماعيا مأساويا مع رفع الدعم عن السلع، مضيفة أن هؤلاء لم يمارسوا المضاربة حتى يحكم عليهم بقانون المضاربة، ولم يتم ضبطهم في شاحنة، بل مجرد حافلة اكتروها من أجل شراء سلع تسد حاجياتهم، وحتى لو كانت شاحنة، فلا يجب أن يتم معالجة الأمر بهذه الطريقة، وأنه يجب على "الجزائر دعم تونس في ظل ما تعيشه من ظروف اجتماعية صعبة" وفق قولها.
فيما أشادت أوساط سياسية أخرى بقرار القضاء الجزائري.
ويواجه الموقوفون عقوبات مشددة بموجب قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة الصادر في نهاية سنة 2021.
وينص القانون الجزائري الذي يحارب كل أشكال المضاربة على عقوبات تبدأ من 5 سنوات وتصل إلى 30 سنة سجنا نافذا في أوقات الكوارث والأزمات الصحية والحالات الاستثنائية. وذهبت النيابة الجزائرية، لحد إسداء أوامر معالجة قضايا المضاربة غير المشروعة، على مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وذكرت أن هذه الأفعال الإجرامية تعتبر ضربا للاقتصاد، وإجراما متعمّدا يقتضي التصدي له، متوعدة بتقديم التماسات بتسليط عقوبات مشدّدة ضدّ كل الأشخاص المتورّطين في هذه القضايا، وفقا للقانون.
وتنفق الجزائر سنويا نحو 17 مليار دولار من ميزانيتها على الدعم الذي تختلف أشكاله بين تحديد أسعار بعض المواد واسعة الاستهلاك مثل الخبز والحليب وتسقيف أسعار أخرى مثل الزيت والسكر، والدعم الموجه للإنتاج الذي يستفيد منه الفلاحون لشراء وسائل الإنتاج والأسمدة.
وتعتقد السلطات السياسية الجزائرية بوجود “مؤامرة” تستهدف البلاد وتريد ضرب استقرارها عبر تخزين السلع الأساسية أو تهريبها بغرض إحداث اضطراب في تموين السوق.
وتئن تونس تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة في ظل الإخفاق في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل يقدر بـ1.9 مليار دولار، إذ يشترط الصندوق حزمة من الإصلاحات ترفضها السلطات بشكل كبير باعتبارها "تهدد السلم الاجتماعي" كما قال الرئيس قيس سعيد أخيراً.
وتسببت الأزمة الاقتصادية في اشتعال أسعار المواد الغذائية وفقدان مواد أخرى مثل السكر والرز والحليب وزيت الطهي وغيرهم، وهو أمر تسبب في تصاعد وتيرة التهريب على ما يبدو، فيما يحمل الرئيس سعيد المحتكرين والمضاربين مسؤولية هذا النقص الفادح في بعض المواد.
وفي ظل غياب بوادر عن حل ملف الموقوفين التونسيين في الجزائر فإن مصيرهم سيبقى غامضاً بين إتمام العقوبة التي تم إصدارها من طرف القضاء الجزائري، أو أن يتم التخفيف فيها أو الإفراج عنهم بتدخل من السلطات التونسية التي لم تبعث بإشارات في شأن ذلك.