أكثر من 40000 قتيل و120000 مصاب هي الحصيلة الأولية للزلزال الذي ضرب جنوب تركيا يوم 6 فيفري والذي بلغت شدته 7.8 على سلم ريختر على الساعة 4:17 صباحا، والذي امتد إلى سوريا نظرا لقرب الحدود بين البلدين، والذي ترك دمارا و أضرارا في كلتا البلدين.
الجزائر، والتي عرفت زلازل عنيفة سابقا آخرها زلزال بومرداس الذي خلف أكثر من 2000 ضحية وعشرات آلاف الإصابات إضافة إلى خسار مادية كبيرة، سارعت لإرسال المساعدات المادية وفرق للمساعدة في البحث، وكانت أول من يرسل فريقا لسوريا.
فاتح حساني، من بين هذا الفريق الأول الذي أرسلته الجزائر لسوريا. اتقيناه في تيزي وزو يومين بعد عودته لأرض الوطن، قريبا من جامعة تيزي وزو أين يدرس اللغة والثقافة الأمازيغية بعد خروجه من الامتحان. الطالب صاحب 25 سنة هو نائب رئيس لجنة الهلال الأحمر الجزائري في بلدية ايت يحيى موسى ومدرب في الإسعافات الأولية حدثنا عن تجربته الإنسانية التي عاشها مدة أسبوع في سوريا.
عن تجربته هذه يقول فاتح "الزلازل ظاهرة طبيعية وخطرها يمكن أن يصيب الجميع، فكما عاشها السوريون الأمس يمكن أن نعيشها نحن غدا، لذلك كان من واجبنا تقديم المساعدة للتخفيف عنهم ولو بقدر صغير".
في أول يوم للزلزال، أرسلت الجزائر لسوريا فريقا يضم 88 فردا من رجال الحماية المدنية، مع 26 فردا من الهلال الأحمر الجزائري بين مسعف، ممرض وطبيب.
الفريق الذي قوامه 114 فردا انطلق من المطار العسكري بوفاريك نحو سوريا في نفس اليوم ليحل بمطار حلب أين تم استقباله في القاعة الشرفية للمطار من طرف محافظ حلب مع ممثلين عن الهلال الأحمر السوري.
السوريون: معاناة بعد معاناة
"منذ خروجنا من المطار كانت تظهر لنا آثار مدينة دمرتها الحرب، من منازل محترقة وآثار القذائف هنا وهناك. ثم بعدها تظهر آثار الزلزال من منازل منهارة كلية، وأخرى جزئيا وأخرى تنذر بالسقوط في أية لحظة".
هكذا يصف لنا فاتح فضاعة المشهد، ومعاناة السوريين كما رآها من نافذة المركبة التي حملتهم من المطار إلى حيين شعبيين وهما حي الصالحي وحي المشارقة أين عمل الفريق الجزائري مع الهلال الأحمر السوري طيلة أسبوع ودون انقطاع على إخراج من هم تحت الأنقاض ومعالجة المصابين.
في اليوم الأول لوصول الفريق قامت الحماية المدنية بنصب خيامها، فهي تنقلت حاملة معها ما يجعلها مستقلة كلية من حيث الإيواء والإطعام، أما أعضاء الهلال الأحمر الجزائري فقد تم إيواؤهم في مركز للهلال الأحمر السوري.
عن تنظيم العمل يقول فاتح "في اليوم الأول من وصولنا تم توزيع المهام وتقسيم الفريق إلى أفواج تعمل 6/ 6 سا و7/7 سا وذلك لكي لا تتوقف عمليات المساعدة والإنقاذ ليلا ونهارا".
كي تنطلق بعد ذلك في اليوم الثاني عمليات الإنقاذ خصوصا مع الإمكانيات التي كانت تتوفر عليها الحماية المدنية الجزائرية سواء بشرية أو كاميرات أو كلاب.
"كان فضيعا جدا بالنسبة لي رؤية الجثث وتلك الأجساد التي فقدت أعضاءها، وإضافة لذلك المشهد، كان أهل من فقدوا ذويهم يحيطون المكان مذعورين بسبب الزلزال وخائفين على ذويهم المتواجدين تحت الأنقاض.
كلما انتشل الفريق شخصا إلا وجرى الجميع لمعرفة من يكون" يصف المسعف الشاب بداية عمليات الإنقاذ. ويضيف "المواطنون غادروا بيوتهم لكن يوجد من عادوا لبيوتهم بالرغم من الهزات الارتدادية ومن خطر سقوط البيوت وهم داخلها في أية لحظة. منهم من قال : أفضل أن أموت تحت أنقاض منزلي على الموت في البرد خارجا، وهو صحيح الجو كان باردا جدا في الخارج خصوصا ليلا، حتى أنا لم أتحمله ومن الصعب جدا على شخص منكوب متواجد في العراء تحمله".
خبرة الحماية المدنية الجزائرية والمعدات التي حملتها، ساعدت كثيرا على إنقاذ الأشخاص من تحت الأنقاض وحتى إخراج جثث الضحايا ممن وافتهم المنية. "كنا وراء رجال الحماية المدنية فكلما أخرجوا شخصا من تحت الأنقاض تكفلنا به نحن، ففريقنا كان يضم أطباء ومسعفين"
"وكأننا لم نغادر الجزائر، بل انتقلنا فقط لولاية أخرى"
حتى في وسط ذلك الخراب والمآسي، فاتح يقول أنه عاش تلك اللحظات ليس كمسعف متطوع انتقل من قريته بتيزي وزو الجزائرية إلى حي شعبي في حلب السورية والذي يبعد حوالي 5000 كم، بل كأنه واحد من أولئك الناس. "مجرد حضورنا رفع من معنويات الشعب السوري. فحتى قبل شروعنا في عمليات البحث لأنهم كما قالوا لنا شعروا أنهم ليسوا وحدهم. نحن أيضا من جانبنا لم نشعر أننا غادرنا الجزائر ولا حتى إفريقيا، بل أحسسنا وكأننا انتقلنا فقط من ولاية لأخرى"
الحفاوة بالفريق الجزائري لم تقتصر فقط على زيارة للرئيس السوري بشار الأسد له أثناء العمليات بل تجاوزته إلى كل الشعب السوري والذي احتضن الفريق الجزائري طيلة فترة وجوده هناك. "ذهبنا كأخوة وعدنا كأخوة وحتى السوريون عاملونا كأفراد من عائلاتهم. كانوا كرماء معنا لدرجة أننا كلما دخلنا محلا إلا وأصر صاحبه حين يرى أننا جزائريون على أن لا ندفع شيئا".
بعد أسبوع في سوريا، عاد الفريق الجزائري إلى أرض الوطن أين تم استقباله من طرف وزير الداخلية بعد أن ودعه في مطار حلب الدولي، السفير الجزائري والجالية الجزائرية في سوريا التي كانت تنتقل خصيصا إليه طيلة أسبوع تواجده هناك لتشجيعه.
هذه التجربة يلخصها فاتح حساني "كمدرب في الإسعافات الأولية دائما أقول للمتدربين أنه لا يوجد إنجاز يمكن أن يقوم به إنسان يعادل إنقاذ روح".
ماجيد صراح