top of page

ماذا تنتج المدرسة الجزائرية بكثرة ؟


لوحة للفنان لفان خوخ مقال رأي: عملت المدرسة الجزائرية منذ الاستقلال على صنع وطنيين، متشبعين بالعروبة، و مسلمين متعصبين. اليوم بعد 60 سنة تحقق هدفها و لكن المدرسة بحد ذاتها فقدت بهم غايتها. فالمكان الذي يأتي إليه تلاميذ من أجل تعلم القراءة و الكتابة أصبح مكان لغرس القومية العربية، و من مكان لتلقين القواعد الأساسية للعلوم إلى مؤسسة لتدريس الإنتماء إلى شبه الجزيرة العربية و الحب الأعمى لفلسطين. بعد نصف قرن كل دول شبه الجزيرة العربية الأسيوية التى حاولت الجزائر الأفريقية غرس نفسها فيها تطورت في كل المجالات العلمية، الإقتصادية، التجارية، الإجتماعية و الثقافية بفضل المدارس الأمريكية و البريطانية التي أحضرتها من أجل إنشاء أجيالها على الأصول العلمية الصحيحة. أبنائهم متفتحون على العلوم و العالم و يسيرون مع تطورات الواقع الحاضر ببراغماتية، متقنين اللغات الحية و نحن أبنائنا منغلقين على أنفسهم، رافضين العالم و العلم، متمسكين بالجهل المؤسس في أدمغتهم من تاريخ و ماضي شبه الجزيرة العربية نفسها، و قد خلقت مدارسنا من الأفارقة الأمازيغيين الجزائريين متلعثمين لا يتقنون أي لغة. و إن أتقنوا علم الترديد يحفز أشطرهم بعمرة إلى البقاع المقدسة و يتسائل السائل و ما علاقة الدراسة و العلم بالعمرة؟!

يا لها من أصول التعليم و بيداغوجيا هذه التي نربي وندرس بها أولادنا اليوم. نخبر الطفل أنه ينتمي إلى خير أمة أخرجت إلى الناس و باقي الأمم في النار و هو محظوظ بذلك ليصبح شوفيني مغالي بالتعصب الديني و الوطني. نعلم الطفل أنه على أخلاق عظيمة فلا يحاول أن يطور نفسه و لا يشكك في مدى تحضره، نقول له أنه ذكي فقط لقدرته على تخزين و حفظ النصوص الشعرية أو النثرية سواء دينية أو أدبية. تضخم له النتائج الدراسية أين طلب منه ترديد ما قيل له ثم يقال عنه نابغة و تلميذ مدهش.

الطالب المعرب المؤمن و الغير مثقف الذي لم يواجه الإخفاق في حياته، فحتى شهادة الباكلوريا تمنح ب9,5 من 20 تم تعليمه أن الدراسة ستسمح له بالحصول على عمل يريحه و يحقق له متطلبات الحياة. لهث وراء الشهادة الجامعية بشتى الطرق بعد أن وزعت الباكالوريا على الجميع إلا من رفضها. ما أنتج الآلاف من الغير مثقفين و الأميين بشهادات جامعية لا يعرفون ما العمل بها. فالعمل الموعود غير موجود و الفيزا للخروج من مأزقهم إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل لا تقدمها القنصليات كونهم لا يقصدون الجامعات و المعاهد بل يرحلون دون رجعة. ألاف الطلاب الجدد يسجلون في الجامعات من أجل أن لا يندموا مستقبلا إن لم يمتلكوا الوثيقة الشاهدة الجامعية! أما العلم فلا أحد يرغب فيه فهم أصلا لا يدركون ما الغرض من الدراسة.

هذه الجيوش من المتخرجين الحمقى الذين لا يصلحون لشيء، يعتقدون أن كل ما قد يحتاجونه موجود في غوغل و يوتيوب. يخرجون كل يوم علينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي للسخرية من الباحثين و العلماء الذين أفنوا حياتهم من أجل العلم و لم يصبحوا أغنياء مثل نجومهم على نفس هذه المواقع. لا يدركون أهمية العلم و لا يفقهون أي شيء في الرياضيات، العلوم و الفزياء. لا يتقنون أي مهنة و لا يعرفون أي شيء عن التاريخ الإنساني و عن الحركات التي نشأ عنها التطور البشري الفكري و الحضاري، الإجتماعي و الإقتصادي و لا حتى السياسي. متخذين من الديكتاتوريين آباء روحيين لهم، غير مدركين ما معنى التحضر، الديموقراطية، حقوق الإنسان وغيرها. فهم يعبدون القوة التي تسيطر عليهم.

بعد مجيئهم إلى الحياة العملية تصدمهم المشاكل الميكانيكية، الإلكترونية، معالجة المعلومات، الكهربائية و الفزيائية. فإعتقادهم الطويل أنهم متفوقيين في الدراسة ينطفأ دفعة واحدة في أماكن العمل أين لا ينتجون شيئا. عدم إمتلاكهم للكفائة، القاعدة العلمية و عدم تعودهم على تقبل الفشل و مواجهة الإخفاق يجعلهم يصرفون غبائهم المؤسس على الآخرين و إلقاء اللوم على الظروف. فحتى في مجال الأدب و العلوم الإنسانية تجدهم لا ينتجون أي فكر ملحوظ يستحق القراءة و الإسراف في التفكير فيه. فعلمهم ينحصر على ما هو عربي فقط، التباهي بصرف قواعد اللغة و النحو على أبيات من الشعر الجاهلي فقد حرموا من الأدب و الفلسفة العالمية.

منذ الإستقلال في كل عشر سنوات يأتي جيل لديه نتائج دراسية متفوقة على الذي قبله و لكن أقل مستوى من سابقه. في جميع المجالات و من جميع النواحي. فحتى التمكن من اللغة أصبح لدينا أجيال و ليس جيل واحد لا يتقنون أي لغة نطقا و كتابة. جيل اليوم لا يعلم مستواه العلمي فقد حرم حتى من أن يفشل في الدراسة و كيف يكون النجاح فيها. أجيال عاملتها المدرسة كمؤمنين و ليس تلاميذ أو طلاب، اليوم ليس لهم أي مكان بعد تخرجهم مع أقرانهم في العالم الواقعي أمام أجيال الدول الأخرى. فبالرغم من ما قلنا مازال هنالك أفراد تنجح في الخروج من السرب و يفخر الوطن بهم. النقد الصادق نابع من المحبة و الرغبة فالتغير نحو الأفضل. و السكوت على التأخر إغراق إلى ما هو أعمق.


ردوان كريم

 

مقالات الرأي المنشورة في موقع اذاعة من لا صوت لهم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر فريق تحرير الاذاعة.

47 vues

Comments


bottom of page