في تحقيق ل “مجلة لوبوان” الفرنسية من إعداد الصحفي الجزائري عدلان مدي، ذكر الاخير ان "العاصفة بين الجزائر والرباط التي لا تعرف لها فترة راحة، يغذيها اليوم المئات من مستخدمي الإنترنت، بما في ذلك المتصيدون الذين يبدون منظمين جيدًا من كلا الجانبين، لتشويه السمعة والهجوم والانتقاد والإهانة في كثير من الأحيان."
وتمر العلاقات بين الجزائر والرباط في المربع الأحمر للتوترات والخلافات الدبلوماسية. ويشعر المتتبّع للاحداث بميل قوي ، في بيروقراطيات الديبلوماسيتين، لدرجة أن الجميع يريد أن تكون له الكلمة الأخيرة.
"قبل فترة طويلة من قطع العلاقات بين الجزائر والرباط عام 2021، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة يتصادم فيها الجزائريون والمغاربة الذين لم يعرفوا بعضهم البعض. جيل كامل من الشباب من كلا البلدين يعيشون فقط في الخيال البغيض الموروث من عقود من العداء والتوتر بين البلدين المغاربيين الجارين." يقول كاتب المقال.
آخر حرب كلامية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي من البلدين، تمثلت في إعادة رواد الإنترنت استخدام التصريح الأخير للرئيس عبدالمجيد تبّون، خلال مقابلة مع قناة الجزيرة الإخبارية القطرية، والذي اعتبر فيه أن العلاقات بين الجزائر والمغرب وصلت إلى “نقطة اللاعودة”.
وأشارت “لوبان” إلى بعض التغريدات، على غرار التغريدة التالية: “بصفتي مواطن جزائري، أطلب من دولتي وحكومتها إقامة جدار عازل مع الجار المغربي، يجب علينا أيضًا مراجعة المواعيد النهائية للمواطنين المغاربة للإقامة في الجزائر”، مرفقة بهاشتاغ “نقطة اللاعودة”.
في المقابل، تناولت تغريدات تصريحات للداعية المغربي محمد الفزازي يقول فيها إنّه يفضل تناول التمر الإسرائيلي على التمر الجزائري، مؤكدا أن “نتنياهو لم يفعل بالشعب والبلد (المغربي) ما فعله شنقريحة (قائد الجيش الجزائري)”.
ومؤخرا، أثار فصل الصحافي المغربي عبدالصمد ناصر من قناة الجزيرة عاصفة جديدة.
وبحسب تغريدات جزائرية ومغربية، فإن الصحافي طُرد بسبب دعوته عبر تويتر للدفاع عن شرف المرأة المغربية لأن بعض وسائل الإعلام الجزائرية كانت تتحدث عن “انتشار” الدعارة في المغرب، مرتكزين على هاشتاق انتشر على مواقع سعودية و إماراتية.
وانتشر الجدل ايضا منذ فترة حول الملكيات الثقافية، مما يتسبب في اشتباكات لا نهاية لها على الشبكات الاجتماعية حول تأليف أو ملكية الزليج والهايك والكسكسي والراي والقفطان والموسيقى الأندلسية.
بعنوان الإعلام في حالة حرب:
تابعت “مجلة لوبوان” تقريرها إن هذه الحروب تقودها أيضًا وسائل الإعلام على جانبي الحدود، إذ لا يكاد يمر يوم دون عناوين الصحف أو الصفحات الأولى للمواقع الإخبارية التي تتحدث عن “عمل عدائي” و”مؤامرة” و”كراهية”، إلخ.
الاتجاه الأخير في الجزائر، على سبيل المثال، هو حملة إعلامية ضخمة حول “المحاولات المغربية لإغراق البلاد بأطنان من المخدرات”.
وتحدثت وسائل إعلام جزائرية أن “الطوابع المغربية تحتوي على مواد تهدف إلى إحداث العقم بين الشباب الجزائري”!. وعلى الجانب المغربي، كثيرا ما تطلق وسائل الإعلام الاتهامات والخلافات التي تستهدف الجزائر، سواءا على الصعيد السياسي، الاقتصادي أو حتى التراثية. وفي مقدمتها، استغلال وسائل الاعلام المغربية قضية دعم الجزائر لجبهة البوليساريو.
ومن المفارقات الغريبة أن بعض وسائل الإعلام الجزائرية تنتقد نظيرتها المغربية لما تمارسه هي نفسها.
الدعوة إلى التهدئة:
في أكتوبر 2022، وجهت الاستاذة التونسية في القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية و الاجتماعية بتونس، سناء بن عاشور ، و الصحفي والكاتب الجزائري كمال داود ، والروائية المغربية-الفرنسية ليلى سليماني، نداء موحّد لمحاولة درء الكراهية المتراكمة بين الشعبين.
وجاء في النداء: “اليوم، اللا مسؤولية والتهور والغرور والمعلومات الخاطئة تؤدي فقط إلى التوترات. لقد دخلنا في حروب ونشعر بضرورة التنبيه وإعطاء صوت للأمل والنضج […] هل سنمتلك الشجاعة لتحمل أخطائنا وأنانيتنا في مواجهة الأجيال القادمة؟”.
تلتها في 2 جوان من نفس العام، دعوة الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الجزائريين والمغاربة إلى “تجنب الفتنة”.
ودعا “حكماء” البلدين إلى وضع حد لـ”التوترات” و”الكراهية”، مذكرا بأن الجزائريين والمغاربة يشكلون “روحًا واحدة، أملا واحدا وألماً واحداً”.
وتابعت “لوبوان” مشيرة إلى أن الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف دان في كتابه الصادر عام 1964- في ذلك الوقت كان معارضًا في المنفى- “الدعاية” من كلا الجانبين والتي رافقت الصراع المسلح على الحدود الذي بدأ في أكتوبر 1963 والذي سمّي منذ ذلك الحين بحرب الرمال.
توقفت المعارك في 5 نوفمبر 1963، انتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، وقامت المنظمة الإفريقية بإرساء اتفاقية لوقف نهائي لإطلاق النار في 20 فبراير 1964 في مدينة باماكو عاصمة دولة مالي، ولكنها خلّفت توترا مزمنا في العلاقات المغربية الجزائرية لاتزال آثارها موجودة إلى الآن.
التحرير