الجزائر : 55 عقوبة جزائية رُفِّعت منذ 2020.. موجة تشديد تشريعي غير مسبوق
- cfda47
- 8 نوفمبر
- 2 دقيقة قراءة

شهدت المنظومة التشريعية الجزائرية منذ جانفي 2020 اتساعًا لافتًا في نطاق التجريم وتشديد العقوبات. التدفق المتتابع لمشاريع القوانين المصادق عليها كشف عن تحول واضح نحو رفع سقف الردع، خصوصًا في ملفات تُصنّفها الدولة ضمن الأولويات: الجريمة المنظمة، الأمن الصحي، الاقتصاد، حماية المرافق، والانتخابات. الحصيلة التقريبية تُظهر إدراج أو تعديل 55 عقوبة جزائية، وهو رقم يعكس حجم التحول في السياسة العقابية خلال أربع سنوات فقط.
برزت موجة التشدد أولًا في قوانين تمس الأمن العام مثل قانوني عصابات الأحياء والاختطاف، حيث جرى رفع العقوبات إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى المؤبد والإعدام. هذا الاتجاه تعزز مع تعديل منظومة مكافحة المخدرات التي ارتفعت فيها العقوبات إلى 30 سنة سجن، مع توسيع التجريم ليشمل حالات التحريض واستعمال القُصّر والجماعات الإجرامية.
القطاع الصحي لم يكن بمنأى عن التشدد. خلال الجائحة، فجّر ملف الاعتداءات على الأطقم الطبية تعديلات عقابية صارمة شملت رفع الحد الأقصى إلى المؤبد إذا أدى الاعتداء إلى وفاة الضحية، إضافة إلى عقوبات كبيرة على تخريب الممتلكات الصحية. هذه التدابير شكّلت رد فعل مباشر على هشاشة القطاع أمام موجات العنف التي برزت خلال الاضطرابات الصحية.
في المجال الاقتصادي، برز قانون مكافحة المضاربة كأحد أكثر النصوص صرامة. العقوبات التي وصلت إلى 20 سنة، ثم 30 سنة، قبل بلوغ المؤبد، تكشف رغبة السلطة في ضبط الأسواق وإعادة فرض الانضباط التجاري بقوة القانون. هذا القانون وحده نقل مستويات التجريم إلى نطاق غير معهود في الجرائم الاقتصادية التقليدية.
ملف الانتخابات عرف أيضًا توسعًا لافتًا في العقوبات. القانون العضوي الجديد أضاف حزمة كبيرة من التجريمات تخص العبث بالصناديق، شراء الأصوات، استغلال ممتلكات الدولة، وتمويل الحملات بطرق غير قانونية. معظم هذه المخالفات رُفعت عقوباتها أو أعيدت صياغتها، ما يعكس رؤية تشريعية تضع نزاهة العملية الانتخابية ضمن أركان “الأمن الوطني المؤسساتي”.
التشريعات المتعلقة بالإدارة والمرافق العمومية دفعت بدورها موجة جديدة من العقوبات، خصوصًا ما تعلق بعرقلة نشاط المؤسسات وعدم تنفيذ الأحكام القضائية واستغلال الطرق العمومية بشكل غير قانوني. هذه النصوص وسّعت نطاق التجريم داخل الفضاء الإداري، وأعادت ضبط علاقة المواطن بالمرفق العام عبر منظومة عقابية مشددة.
أما المراجعة الشاملة لقانون العقوبات التي طُرحت سنة 2024، فقد كرّست مسارًا واضحًا نحو توسعة نطاق الردع، بإدراج جرائم جديدة مرتبطة بالشعوذة، أو الإساءة للثورة، أو عرقلة الاستثمار. يضاف إلى ذلك إدراج العقوبات البديلة كمساحة توازن محدودة وسط موجة التشدد، دون أن تُغيّر جوهر التوجه العام.
تُظهر الحصيلة أن التشريع الجزائي في الجزائر انتقل بسرعة إلى مرحلة تُغلّب هاجس الردع على أي مقاربة بديلة، مع تركيز على حماية الدولة ومؤسساتها ومجالاتها الحساسة. ورغم أن النصوص جاءت استجابة لظروف واقعية كالجريمة المنظمة والأزمات الصحية والاضطرابات الاقتصادية، إلا أن وتيرتها وحجمها يفتحان نقاشًا ضروريًا حول فعالية العقوبات وحدودها، وتأثير هذا المسار على التوازن بين الأمن والحقوق، وعلى مستقبل السياسة الجنائية في البلاد.
نسرين ج



تعليقات