الصحافة في قفص الاتهام… سعد بوعقبة يواجه محاكمة جديدة باسم "الذاكرة الوطنية"
- cfda47
- قبل ساعة واحدة
- 3 دقيقة قراءة

يمثل الصحفي الجزائري سعد بوعقبة مجدداً أمام القضاء بعد دعوى رفعتها عائلة الرئيس الراحل أحمد بن بلة، على خلفية تصريحات أدلى بها في أحد البرامج الإعلامية واعتُبرت مسيئة لذكرى أول رئيس للجزائر المستقلة. القضية أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية، إذ يرى البعض أنها تكشف عن استمرار التضييق على حرية التعبير، فيما يعتبرها آخرون دفاعاً مشروعاً عن الذاكرة الوطنية.
يقف سعد بوعقبة اليوم أمام القضاء ليس بصفته مجرد صحفي، بل كرمز لمهنة تُصرّ على أن تبقى شاهدة على أحداث تاريخيّة مهما كان الثمن. الدعوى التي رفعتها عائلة الرئيس الراحل أحمد بن بلة ضد تصريحاته تكشف عن هشاشة العلاقة بين حرية التعبير والذاكرة الوطنية، وتعيد إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً: هل يُسمح للصحافة بأن تفتح ملفات التاريخ السياسي، أم أن الرموز الوطنية تُحاط بجدار من القداسة يمنع النقاش؟
في أحد الحوارات الإعلامية، أثار الصحفي سعد بوعقبة جدلاً واسعاً حين استند إلى ما ورد في كتاب للكاتب الفرنسي فرانسوا جونو، ليقدّم صورة مثيرة للجدل عن الرئيس الراحل أحمد بن بلة.
تحدث الصحفي عن خلافات شخصية بين بن بلة وبعض القيادات التاريخية، وربطها بعوامل عائلية، مثل خلافه مع بوضياف الذي قال إنه كان بسبب امرأة. كما أشار إلى علاقات متوترة مع بومدين وبوتفليقة، وذكر حادثة “صفعة” وجهها أحمد بن بلة لعبد العزيز بوتفليقة إثر خطأ دبلوماسي.
لكن الأكثر إثارة للجدل كان حديثه عن تقاسم أموال حزب الأفلان وشبهات مالية خلال فترة حكم أحمد بن بلة، وهو ما اعتبرته عائلته إساءة خطيرة وتشويهاً لذكرى "أول رئيس للجزائر المستقلة" حسب تعبيرها.
سعد بوعقبة، المعروف بكتاباته النقدية اللاذعة، سبق أن واجه محاكمات عدة بسبب مقالاته التي تناولت السلطة وممارساتها، حيث وُضع في فترات سابقة تحت الرقابة القضائية ومنع من السفر. هذه المرة، جاء الاستدعاء إثر شكوى مباشرة من عائلة بن بلة، التي اعتبرت أن تصريحات الصحفي تضمنت مغالطات تاريخية وإساءة لرمزية شخصية وطنية. وبعد التحقيق معه من طرف مصالح الأمن، أُخلي سبيله على أن يمثل لاحقاً أمام محكمة بئر مراد رايس.
إن مثول بوعقبة أمام المحكمة ليس حدثاً معزولاً، بل استمرار لمسار طويل من التضييق على الأصوات المستقلة في الجزائر. كل استدعاء، كل محاكمة، كل منع من السفر، هو رسالة واضحة بأن السلطة لا تحتمل النقد، ولا تقبل أن تُمسّ روايتها الرسمية للتاريخ. لكن في المقابل، كل مرة يخرج فيها بوعقبة ليكتب أو يتحدث، تتحول القضية إلى فعل مقاومة، إلى تأكيد أن الصحافة ليست خادمة للذاكرة الرسمية، بل شريك في صياغة ذاكرة شعبية حرة.
القضية تطرح مجدداً سؤالاً جوهرياً حول حدود حرية الصحافة في الجزائر، خاصة عندما يتعلق الأمر بذاكرة شخصيات تاريخية ذات مكانة حساسة في الوجدان الوطني. فبينما يصر المدافعون عن بوعقبة على أن الصحافة مطالبة بفتح النقاش حول التاريخ السياسي للبلاد، ترى أطراف أخرى أن المساس برموز الاستقلال يتجاوز حرية التعبير ويدخل في خانة التشويه المتعمد.
القضية تتجاوز حدود النزاع الشخصي بين عائلة ورجل إعلام، فهي معركة على معنى الاستقلال ذاته. هل الاستقلال يعني حماية الرموز من النقد، أم يعني تحرير الكلمة من كل قيد؟ إن محاكمة صحفي في الثمانين من عمره، يعاني من أمراض مزمنة، هي إهانة لحرية الصحافة، وإشارة إلى أن الدولة ما زالت ترى في الكلمة الحرة تهديداً أكبر من أي خطر آخر.
سعد بوعقبة، الذي يبلغ من العمر ثمانين عاماً ويعاني من أمراض مزمنة، يجد نفسه في مواجهة جديدة مع القضاء في وقت يزداد فيه النقاش حول وضعية الصحافة المستقلة في الجزائر. مثوله أمام القضاء يعكس استمرار التوتر بين حرية التعبير وحماية الرموز الوطنية، ويعيد إلى الواجهة النقاش حول مستقبل الصحافة الجزائرية في ظل حساسيات سياسية وتاريخية لم تُحسم بعد.
اليوم، سعد بوعقبة لا يدافع فقط عن نفسه، بل عن حق الجزائريين في أن يناقشوا تاريخهم بلا خوف، وأن يواجهوا تناقضات ذاكرتهم بلا رقابة. إن هذه المحاكمة هي اختبار جديد لمدى استعداد الجزائر أن تعترف بتعدد رواياتها، وأن تقبل بأن الحرية لا تُجزّأ: إما أن تكون كاملة، أو لا تكون.
حكيم ش