الجزائر الجديدة تُجنّد المؤثرين : ولادة الدعاية الرقمية الرسمية ل "خونة الداخل" بصيغة فيديو
- cfda47
- 13 أكتوبر
- 2 دقيقة قراءة

في مشهد لا يخلو من الرمزية، ظهر أحد "المؤثرين" المعروفين بلقب "الشعطوط" على صورة جماعية التُقطت خلال إطلاق ذراع دعائية جديدة برعاية حكومية، وُصفت بأنها موجهة لـ"مواجهة المؤامرات في الخارج وخونة الداخل". لم يكن ظهوره عابرًا، بل جزءًا من استراتيجية اتصالية جديدة توظف وجوهًا مألوفة من الفضاء الرقمي في خدمة خطاب رسمي يعيد رسم حدود "الوطنية" و"العدو".
الجزائر الجديدة تستعمل أدوات الترهيب لضبط المشهد السياسي، كبح المعارضة، وتكريس هيمنة المؤسسة العسكرية، تحت غطاء حماية السيادة الوطنية. في السنوات الأخيرة، تصاعدت مؤشرات استخدام أدوات الترهيب في الجزائر الجديدة، سواء عبر التشريعات أو الخطاب الرسمي أو الممارسات الأمنية. هذا التوجه لا يُفهم فقط كاستراتيجية أمنية، بل كمنظومة سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين السلطة والمجتمع. لكن هذا النهج يهدد بتعميق الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويضع مستقبل الديمقراطية على المحك.
فبتاريخ 12 أكتوبر 2025، أُعلن عن إطلاق ذراع دعائية جديدة برعاية حكومية، هدفها المعلن: "مواجهة المؤامرات في الخارج وخونة الداخل". في قلب هذه المنظومة، يظهر "الشعطوط"، أحد مشاهير المنصات، لا يهم إن كان يُصنف كـ"صانع محتوى" أو "مؤثر"، فالتوصيفات تتلاشى أمام الدور: التعبئة الرمزية.
من الترفيه إلى التعبئة
"الشعطوط"، الذي اشتهر بمحتوى ساخر وخفيف على منصات التواصل، بات اليوم جزءًا من منظومة دعائية تتبنى خطابًا أمنيًا صريحًا. انتقاله من خانة "صانع المحتوى" إلى "فاعل تعبوي" يعكس تحوّلًا أوسع في علاقة الدولة بالفضاء الرقمي: لم تعد المنصات مجرد فضاء للتسلية أو التنفيس، بل أصبحت ساحة معركة رمزية، تُستثمر فيها الوجوه المؤثرة لتوجيه الرأي العام.
"خونة الداخل" و"المؤامرات الخارجية": عودة القاموس الأمني
الخطاب المرافق لإطلاق هذه الذراع الدعائية أعاد إلى الواجهة مفردات مألوفة من زمن الطوارئ: "خونة"، "مؤامرات"، "حرب ناعمة". لكن الجديد هو القالب: بدل البيانات الرسمية أو البلاغات العسكرية، يُقدَّم هذا الخطاب اليوم عبر فيديوهات قصيرة، نكات، تحديات، ومقاطع "ترند" يشارك فيها مؤثرون شباب، بعضهم بلا خلفية سياسية تُذكر.
تسويق الخوف بلغة المنصات
الرهان واضح: تطبيع الخطاب الأمني عبر أدوات الترفيه. حين يُقدَّم "العدو" في قالب ساخر، ويُختزل النقاش السياسي في "خيانة" أو "ولاء"، تُختزل أيضًا تعقيدات الواقع في ثنائيات مريحة. لكن هذا التبسيط يحمل خطرًا مزدوجًا: فهو يُفرغ النقاش العام من مضمونه، ويحوّل المؤثرين إلى أدوات في معركة لا يملكون مفاتيحها.
من يملك السردية؟
السؤال الجوهري لا يتعلق بـ"الشعطوط" كشخص، بل بالدور الذي يُطلب منه ومن أمثاله لعبه: من يملك السردية في الجزائر الجديدة؟ هل هي الدولة التي تعيد تدوير خطابها عبر وجوه شابة؟ أم المواطن الذي يبحث عن معنى في زحمة الشعارات؟ وهل يمكن لمن اعتاد صناعة المحتوى الخفيف أن يتحول فجأة إلى حامل لرسائل سيادية دون أن يفقد مصداقيته؟
بين التعبئة والمقاومة
في زمن تتداخل فيه الحدود بين الإعلام والدعاية، بين الترفيه والتوجيه، يصبح من الضروري مساءلة هذه التحولات. ليس رفضًا للمؤثرين، بل دفاعًا عن استقلالية الفضاء العام. فحين تُختزل الوطنية في "ترند"، وتُشيطن المعارضة عبر "ميمز"، نكون أمام خطر حقيقي: تحويل الوعي الجماعي إلى مادة قابلة للبرمجة.
هذه الذراع الدعائية، التي تستثمر في رموز رقمية مألوفة، تعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجال العام. لم تعد السلطة تكتفي بالبيانات الرسمية، بل باتت تستعين بمن يُتقن لغة المنصات، من يعرف كيف يُضحك، يُثير، ويُعبّئ.
لكن السؤال الأهم: هل هذه التعبئة قادرة على إقناع جمهور يعيش يوميًا تناقضات الواقع؟ أم أنها مجرد محاولة لتجميل خطاب سلطوي عبر وجوه مألوفة؟
نسرين ج



تعليقات