الهوية الأمازيغية وتهمة "حزب فرنسا": حين تُختزل التعددية في خطاب التخوين
- cfda47
- 21 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة

الهوية الأمازيغية تُشكّل محورًا خفيًا في الاتهامات السياسية الجزائرية، حيث يُستدعى مصطلح "حزب فرنسا" لتخوين التيارات التي تطالب بالاعتراف بالتعددية الثقافية، وعلى رأسها الحركة الأمازيغية. منذ الاستقلال، ظل الخطاب السياسي الجزائري أسير ثنائية قاتلة: الوطنية مقابل الخيانة. وفي قلب هذه الثنائية، برز مصطلح "حزب فرنسا" كأداة رمزية لتجريد الخصوم من الشرعية. لكن حين يُوجَّه هذا الاتهام إلى رموز مناضلة كحسين آيت أحمد، أو إلى الحركات المدافعة عن الهوية الأمازيغية، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: من يملك حق تعريف الوطنية؟ وهل التعددية الثقافية تهديد أم ثراء؟
في تصريح أثار جدلاً واسعًا، اتّهم عبد العزيز بلخادم، أحد رموز النظام الجزائري، المعارض التاريخي حسين آيت أحمد بالانتماء إلى ما سمّاه "حزب فرنسا". هذا الاتهام، الذي يبدو للوهلة الأولى صادمًا بالنظر إلى المسار الثوري لآيت أحمد، يكشف عن استخدام متجدد لذاكرة الاستعمار كسلاح في الصراع السياسي الداخلي.
عبد العزيز بلخادم يُعد من أبرز رموز التيار العروبي في الجزائر، وقد ساهم في ترسيخ العروبة كمكون مركزي في الهوية الوطنية، أحيانًا على حساب التعددية الثقافية، خاصة الأمازيغية.
في عهد بلخادم، استُخدمت العروبة ليس فقط كهوية ثقافية، بل كأداة سياسية لإقصاء التيارات المعارضة، خاصة تلك التي تطالب بالاعتراف بالأمازيغية. هذا التوجه ساهم في تعميق الانقسام الهوياتي في الجزائر، حيث شعر كثير من الأمازيغ بالتهميش الرمزي والمؤسساتي في أرضهم، رغم مشاركتهم الفاعلة في الثورة والاستقلال.
وفي سياق اتهام عبد العزيز بلخادم لحسين آيت أحمد، لا يمكن فصل الخطاب عن الخلفية الهوياتية التي لطالما أثارت توترًا في الجزائر. فآيت أحمد، المنحدر من منطقة القبائل، كان من أبرز المدافعين عن الاعتراف بالأمازيغية كمكوّن أساسي للهوية الوطنية، وهو ما جعله عرضة لتهم "الانفصال" أو "العمالة"، رغم تاريخه الثوري.
منذ 1962، تبنّت الدولة الجزائرية نموذجًا وحدويًا قائمًا على العروبة والإسلام، معتبرة أي تعبير ثقافي خارج هذا الإطار تهديدًا للوحدة الوطنية. الهوية الأمازيغية، رغم كونها مكوّنًا أصيلًا في النسيج الجزائري، قُمعت رمزيًا ومؤسساتيًا، من منع الأسماء الأمازيغية إلى تجاهل اللغة في التعليم والإعلام.
هذا الإقصاء لم يكن بريئًا، بل نابعًا من تصور سلطوي يرى في التعددية الثقافية مدخلًا للتفكك والانفصال. ففي الخطاب السياسي الجزائري، يُستخدم مصطلح "حزب فرنسا" كأداة تخوين جاهزة. لا يُقصد به حزبًا فعليًا، بل يُوظّف لتجريد الخصم من شرعيته الوطنية. وهو خطاب يُعيد إنتاج منطق الحرب الباردة السياسية، حيث لا مكان للمعارضة إلا في خانة "العمالة".
"حزب فرنسا": سلاح رمزي ضد الأمازيغية
مصطلح "حزب فرنسا" لا يُستخدم فقط ضد المعارضين السياسيين، بل يُوجَّه أيضًا إلى الحركات الثقافية التي تطالب بالاعتراف بالأمازيغية، وكأنها امتداد للاستعمار الثقافي.
في هذا المنطق، كل من يطالب بالاعتراف بالهوية الأمازيغية يُتهم ضمنيًا بخدمة أجندات خارجية، رغم أن هذه المطالب تنبع من عمق الأرض الجزائرية.
المفارقة أن السلطة نفسها كثيرًا ما اتُّهمت بالتواطؤ مع المصالح الفرنسية، سواء عبر الامتيازات الاقتصادية أو الصمت عن الجرائم الاستعمارية.
حسين آيت أحمد: بين الثورة والتخوين
آيت أحمد، أحد القادة الخمسة المختطفين من قبل فرنسا سنة 1956، لم يكن فقط مناضلًا ضد الاستعمار، بل أيضًا من أوائل من نادوا بدولة ديمقراطية تعترف بالتعددية. اتهامه بالانتماء إلى "حزب فرنسا" من قبل عبد العزيز بلخادم يعكس منطقًا سلطويًا يُفرغ التاريخ من معناه، ويحوّل الذاكرة إلى أداة قمع.
هذا الاتهام يُظهر كيف يُستخدم الماضي الثوري لإقصاء كل من يخرج عن الخط الرسمي، حتى لو كان من صانعي الاستقلال.
الأمازيغية: من التهميش إلى الاعتراف الرمزي
بعد نضالات طويلة، تم ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية ثم رسمية، لكن هذا الاعتراف ظل في كثير من الأحيان شكليًا. لا تزال اللغة الأمازيغية مهمّشة في التعليم والإدارة والإعلام، ويُنظر إلى المطالب الثقافية بعين الريبة.
في المقابل، الحركة الأمازيغية لم تطالب بالانفصال، بل بالاعتراف والعدالة الرمزية، وهو ما يجعل اتهامها بالخيانة مجرّد إسقاط سياسي.
نقد الخطاب الرسمي: من الوطنية إلى الاحتكار
عبد العزيز بلخادم لم يكن مجرد سياسي، بل رمز لمرحلة حاولت فيها السلطة فرض هوية واحدة على مجتمع متعدد.
اليوم، في ظل الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، يُعاد تقييم تلك المرحلة بوصفها لحظة إقصاء رمزي، لا بناء وطني جامع.
فالوطنية في الخطاب الرسمي الجزائري تُختزل في الولاء للسلطة، لا في الانتماء للأرض والتاريخ. هذا الخطاب يُقصي كل من يطالب بالتعددية، ويُحوّل المطالب الثقافية إلى تهديدات أمنية.
في هذا السياق، تُصبح الأمازيغية ضحية مزدوجة: تُحتفى بها رمزيًا وتُقمع فعليًا.
نحو وطنية جامعة
رغم أن بلخادم يُقدَّم من طرف الإعلام الموالي كمدافع عن السيادة الوطنية، فإن خطابه العروبي غالبًا ما تجاهل أن الجزائر بلد متعدد الثقافات واللغات، وأن الأمازيغية ليست دخيلة بل أصلية.
هذا التوجه يُعيد إنتاج منطق الدولة الأحادية، التي ترى في التعددية تهديدًا بدلًا من كونها مصدرًا للثراء الوطني.
فلا يمكن بناء وطنية حقيقية دون الاعتراف بكل مكوّنات الهوية الجزائرية، وعلى رأسها الأمازيغية. التخوين لا يصنع وحدة، بل يُعمّق الانقسام. والمصالحة مع الذات تمر عبر الاعتراف بالتعدد، لا إنكاره.
آن الأوان لتفكيك خطاب "حزب فرنسا"، وإعادة تعريف الوطنية على أساس العدالة الثقافية، والكرامة، والمواطنة المتساوية.
حكيم ش



تعليقات