ساويرس والسلطة : من صفقة الاتصالات إلى خطاب المظلومية
- cfda47
- 19 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة

لم يكن خروج نجيب ساويرس، رجل الأعمال المصري وصاحب شركة جيزي سابقًا، بتصريحات يتهم فيها السلطات الجزائرية بـ"الاستحواذ" على شركته، مفاجئًا لمن تابع مسار هذه الصفقة منذ بدايتها. وهي القضية التي تناولتها حينها صحيفة "لوماتان" الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية.
في زمنٍ تتشابك فيه المصالح الاقتصادية بالخطابات الإعلامية، يخرج نجيب ساويرس، رجل الأعمال المصري وصاحب شركة جيزي سابقًا، ليُعيد سرد تجربته في الجزائر من موقع "الضحية"، متهمًا السلطات بـ"الاستحواذ" على شركته. لكن من يعرف تفاصيل تلك المرحلة يدرك أن ما حدث لم يكن استحواذًا بقدر ما كان تصحيحًا لمسارٍ استثماريٍّ شابته الكثير من علامات الاستفهام.
دخول ساويرس إلى السوق الجزائرية لم يكن مجرد صفقة تجارية، بل حمل رمزية دخول رأس المال الخاص إلى قطاع كان يُنظر إليه كجزء من السيادة الوطنية . استغلاله للبنية التحتية الوطنية دون مقابل يعكس خللاً في شروط التفاوض بين الدولة والمستثمر، ويطرح سؤالًا حول من كان يحمي مصالح الجزائر في تلك المرحلة.
لكن ما يثير الاستغراب اليوم هو محاولته الظهور في دور "الضحية"، متجاهلًا حقيقة أن دخوله إلى السوق الجزائرية لم يكن يومًا استثمارًا نزيهًا، بل أقرب إلى عملية مضاربة تجارية استغلت تعطّش الجزائريين للتكنولوجيا، وغياب رقابة صارمة على شروط الاستثمار الأجنبي.
الاستثمار أم المضاربة؟
قضية نجيب ساويرس في الجزائر لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الذي حكم البلاد خلال فترة استثماره، ولا عن السلطة الجزائرية الحالية التي تحاول إعادة رسم صورة الدولة في علاقتها برأس المال الأجنبي.
حين دخل ساويرس السوق الجزائرية، لم يكن الهدف بناء منظومة اتصالات وطنية حديثة، بل اقتناص فرصة تجارية في سوق متعطشة للتكنولوجيا. بيع الشريحة الإلكترونية بـ25 ألف دينار قبل إطلاق الخدمة، وتضخيم عدد المشتركين بشكل مصطنع، لم يكونا سوى أدوات لرفع القيمة السوقية للشركة قبيل بيعها. هذا ليس استثمارًا طويل الأمد، بل مضاربة قصيرة المدى.
خطاب "الضحية": قلب للأدوار؟
حين دخل نجيب ساويرس السوق الجزائرية في أوائل الألفينات، كانت السلطة آنذاك تبحث عن "انفتاح اقتصادي" يعيد الثقة في مناخ الاستثمار. لكن هذا الانفتاح جاء على حساب السيادة الاقتصادية، إذ سمح لساويرس بالاستفادة من البنية التحتية الوطنية دون مقابل، وبتضخيم القيمة السوقية لشركته عبر أساليب تجارية لا تخضع لرقابة صارمة.
محاولة ساويرس الظهور كضحية بعد استفادته القصوى من السوق الجزائرية تكشف عن استراتيجية إعلامية تهدف لتبرئة الذات وتوجيه اللوم للسلطات.
استفاد ساويرس من البنية التحتية الوطنية للاتصالات دون أن يسهم في تطويرها أو دفع مقابل لاستخدامها. لقد بنى أرباحه على ما هو ملكٌ عام، دون أن يعيد شيئًا للمجتمع أو يشارك في بناء منظومة رقمية جزائرية مستقلة. أرباحه التي تفاخر بها منذ السنة الأولى ليست دليل نجاح، بل مؤشر على جشع تجاري يتنافى مع قواعد الاستثمار الحقيقي، حيث أن المشاريع الكبرى لا تُثمر عادة قبل مرور ثلاث سنوات على الأقل.
أثر الصفقة على موبيليس: خسارة وطنية؟
تجميد مشروع تطوير موبيليس بسبب هذه الصفقة يبرز كيف يمكن لاستثمار غير متوازن أن يعرقل مشاريع وطنية كانت ستخدم ملايين الجزائريين. غياب الإرادة السياسية أو تغليب المصالح الخاصة على العامة أدى إلى دفن مشروع كان يمكن أن يكون رافعة للسيادة الرقمية.
اليوم، الخطاب الرسمي لا يزال يتعامل مع المستثمرين الأجانب بمنطق "الفرصة"، دون مراجعة نقدية لتجارب مثل تجربة ساويرس، التي أضرت بمشروع موبيليس الوطني، وكرّست منطق الربح على حساب التنمية.
قضية ساويرس ليست مجرد خلاف تجاري، بل درسٌ في أهمية وضع شروط واضحة للاستثمار الأجنبي، تضمن العدالة، وتحمي السيادة الاقتصادية. الجزائر لا تحتاج إلى مستثمرين يبحثون عن الربح السريع، بل إلى شركاء يؤمنون بالتنمية المستدامة، ويشاركون في بناء مستقبل رقمي مستقل.
إن لم تُفتح هذه الملفات بشفافية، فإن شعار "الجزائر الجديدة" سيبقى مجرد واجهة، تُعيد إنتاج نفس السياسات التي سمحت لساويرس بالنجاح دون مساءلة.
حكيم ش



تعليقات