top of page

سيادة الدولة بين الامتحان والضغط الخارجي : الإفراج عن بوعلام صنصال يثير عاصفة سياسية

  • cfda47
  • 12 نوفمبر
  • 3 دقيقة قراءة
ree

أثار قرار الإفراج عن الكاتب الفرانكو-جزائري بوعلام صنصال جدلاً سياسياً حاداً بين الأحزاب والشخصيات الوطنية، حيث تباينت المواقف بين من اعتبر الخطوة تعبيراً عن سيادة الدولة وحكمتها، وبين من رآها خضوعاً لضغوط خارجية وانحرافاً عن مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين.


قرار العفو عن الكاتب بوعلام صنصال فجّر جدلاً داخلياً في الجزائر بين من اعتبره تعبيراً عن سيادة الدولة وحكمة سياسية، وبين من رأى فيه رضوخاً لضغوط ألمانية وفرنسية، وانحراف عن مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، ما جعله رمزاً لانقسام سياسي ودبلوماسي حاد.


انتقادات حادة من التيار الإسلامي: “خضوع مهين للتدخل الأجنبي”


اعتبر الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، أن إطلاق سراح بوعلام صنصال يشكل “مصيبة أعظم” إذا تم بعد تدخل أجنبي، معتبراً أن التدخل الألماني ما هو إلا “مناولة للفرنسيين” الذين وضعوا الإفراج عن صنصال والصحفي الفرنسي كريستوف ضمن شروط استئناف الحوار مع الجزائر.


وأضاف أن الإفراج عن بوعلام صنصال، المتهم رسمياً بالخيانة، يعني عملياً أن “الخيانة لها حماية أجنبية”، بينما يظل سجناء سياسيون جزائريون، كعبد الوكيل بلام ومحمد بلغيث، خلف القضبان بسبب آرائهم السياسية.


وذهب عبد الرزاق مقري إلى أبعد من ذلك حين قال إن هذه الواقعة “تكشف أن الأقلية المشبوهة ذات نفوذ حاسم في البلد”، منتقداً ما سماه “انقلاباً في سلم القيم”، حيث صار “المعارض الصادق مجرماً، والمتواطئ مع الأجنبي محل تسامح”.


موقف متوازن من التيار الليبرالي: “الرحمة لا تُنتقى بالضغوط الخارجية”


من جهته، دعا جيلالي سفيان، الرئيس السابق لحزب جيل جديد، إلى أن يمتد العفو ليشمل سجناء آخرين يقبعون في السجون بتهم أقل خطورة.


وأوضح أن الإفراج عن بوعلام صنصال “لدواعٍ إنسانية” يجب أن يقابله تعامل مماثل مع باقي السجناء، وإلا فإن القرار سيُفهم كـ“رسالة سلبية مفادها أن الرحمة لا تُمنح إلا تحت الضغط الدولي”.


واعتبر أن التمييز في تطبيق العفو الرئاسي “يضرب مبدأ العدالة في الصميم ويكرس صورة ازدواجية الدولة في تعاملها مع أبنائها”.


موقف داعم من الموالاة: “قرار سيادي يجسد حكمة الدولة”


في المقابل، أشاد حزب التجمع الوطني الديمقراطي (RND) بقرار الإفراج، مؤكداً أنه “يدخل في إطار الصلاحيات الدستورية المخولة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون”.


وجاء في بيان الحزب أن القرار “يعكس حكمة الرئيس وسيادة الدولة الجزائرية”، مضيفاً أن الجزائر “لا تخضع لأي ضغوط خارجية وتتعامل فقط مع شركائها الحقيقيين”.


ورأى الحزب أن الإفراج عن صنصال “أسقط إحدى الأوراق التي حاولت أطراف معادية استغلالها للإساءة إلى صورة الجزائر”.


 حزب جبهة المستقبل: “العفو فعل سياسي وأخلاقي راقٍ”


أما فاتح بوطبيق، رئيس حزب جبهة المستقبل، فاعتبر أن العفو الرئاسي “يمثل أسمى أشكال السيادة التي تميز الدول القوية والواثقة بنفسها”.


وأكد أن القرار “يجسد توازناً بين صرامة القانون وإنسانية العدالة”، وأنه “رسالة وطنية وأخلاقية تؤكد أن الجزائر الجديدة تعرف كيف تحاسب وتسامح في الوقت نفسه”.


ورأى بوطبيق أن القرار “يفتح آفاقاً لترسيخ السلم والاستقرار وتعزيز اللحمة الوطنية”، مشدداً على أن “سيادة الدولة فوق كل اعتبار”.


هذا الانقسام يعكس التوتر العميق بين مطلب السيادة الوطنية وواقع العلاقات الدولية، حيث تتقاطع الاعتبارات الدبلوماسية مع حساسية الداخل. فالعفو الذي جاء بطلب ألماني رسمي، وأُحيط بدعم ثقافي وإعلامي واسع في أوروبا، يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن للدولة أن توازن بين استقلالية قرارها وبين الضغوط التي تفرضها الشراكات والرهانات الخارجية ؟


إن الإفراج عن صنصال يضع الجزائر أمام امتحان مزدوج: داخلي، يتعلق بمصداقية العدالة وحرية التعبير؛ وخارجي، يرتبط بقدرتها على إدارة علاقاتها مع فرنسا وألمانيا دون أن يُنظر إليها كدولة تابعة أو خاضعة. وبين هذين البعدين، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على صورة الدولة ككيان مستقل، قادر على اتخاذ قراراته وفق مصلحة شعبه، لا وفق إملاءات الآخرين.


قضية بوعلام صنصال أعادت إلى الواجهة الجدل القديم حول مفهوم السيادة الوطنية وحدود التدخل الأجنبي، في ظرف إقليمي ودولي حساس تحاول فيه الجزائر تثبيت توازنها بين الاعتبارات الحقوقية والسياسية والدبلوماسية.


حاج إبراهيم

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page