top of page

قانون السلم والمصالحة الوطنية : بين التهدئة الأمنية ومصادرة العدالة

  • cfda47
  • 28 سبتمبر
  • 2 دقيقة قراءة
ree

في عام 2005، أقرّت الجزائر قانون السلم والمصالحة الوطنية، في محاولة لإنهاء آثار العشرية السوداء التي خلفت آلاف الضحايا والمفقودين. ورغم ما حققه من تهدئة أمنية، يظل القانون محل جدل واسع بين من يراه خطوة نحو الاستقرار، ومن يعتبره طمسًا للعدالة والذاكرة الجماعية.


منذ إقراره عام 2005، شكّل قانون السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر نقطة تحول في مسار ما بعد العشرية السوداء. فقد جاء كمبادرة رسمية لطيّ صفحة العنف المسلح، واستعادة الاستقرار الوطني، غير أن مضامينه وتطبيقاته أثارت جدلًا واسعًا حول مدى توافقه مع مبادئ العدالة والحق في الحقيقة.


إنجازات معلنة... ولكن

من أبرز ما حققه القانون، عودة آلاف المسلحين إلى الحياة المدنية عبر آليات العفو، مما ساهم في تقليص ملموس لأعمال العنف المسلح. كما أقرّ تعويضات مالية لعائلات الضحايا والمفقودين، في محاولة لاحتواء الجراح الاجتماعية التي خلّفتها سنوات الدم.

ورغم هذه المكاسب، ظل القانون محل شك وتساؤل، إذ اعتبره كثيرون خطوة ناقصة، تفتقر إلى آليات العدالة الانتقالية، وتغفل حق الضحايا في الإنصاف والمساءلة.


نقد قانوني وحقوقي

أبرز الانتقادات الموجهة للقانون تتمثل في غياب المحاسبة القضائية لمن تورطوا في انتهاكات جسيمة، سواء من الجماعات المسلحة أو من أجهزة الدولة. فالقانون، بصيغته الحالية، يتيح استثناءات فضفاضة تسمح بالإفلات من العقاب، ما يكرّس ثقافة اللاعدالة ويقوّض الثقة في المؤسسات.


كما يُمنع فتح ملفات المفقودين بشكل مستقل، ويُفرض سرد رسمي على الذاكرة الوطنية، يمنع أي سرديات بديلة أو تحقيقات مستقلة. هذا التوجه يُعزّز منطق النسيان القسري، ويحول دون بناء ذاكرة جماعية تعددية.


إضافة إلى ذلك، يقيّد القانون حرية التعبير، عبر تجريم مناقشة أحداث العشرية السوداء خارج الإطار الرسمي، ما يضعف دور الصحافة والمجتمع المدني في كشف الحقيقة ومساءلة التاريخ.


الذاكرة الجماعية في مواجهة النسيان الرسمي

القانون لم يكتف بإغلاق ملفات الماضي، بل سعى إلى فرض نسيان مؤسسي، ما أثار غضب عائلات المفقودين والناجين. فالمصالحة الحقيقية لا تقوم على الصمت، بل على الاعتراف، المحاسبة، ثم الغفران. غياب العدالة الانتقالية جعل من المصالحة أداة سياسية أكثر منها مشروعًا مجتمعيًا.


إن المصالحة الوطنية، كي تكون فعلًا مجتمعيًا جامعًا، لا يمكن أن تقوم على التجاوز دون اعتراف، ولا على النسيان دون مساءلة. فالمجتمعات لا تُشفى بالطمس، بل بالمكاشفة والإنصاف. وما لم يُفتح باب العدالة الانتقالية، سيظل قانون السلم والمصالحة الوطنية مشروعًا ناقصًا، يحقق الأمن لكنه لا يضمن العدالة.


الرمزية السياسية للمصالحة

الميثاق تحوّل إلى خطاب رسمي يروّج لفكرة "الوطن فوق الجراح"، لكنه تجاهل أن الجراح غير المعترف بها لا تندمل. المصالحة، في هذا السياق، أصبحت مرادفًا للتجاوز القسري، لا للتضميد الحقيقي.


بعد عقدين من العنف، لا تزال الجزائر بحاجة إلى مصالحة حقيقية، تبدأ بفتح الأرشيف، الاستماع إلى الضحايا، ومساءلة الجناة. فالمجتمعات لا تُشفى بالنسيان، بل بالعدالة والاعتراف. هل يمكن تعديل القانون ليصبح أداة للعدالة الانتقالية بدلًا من أداة للطمس؟ هذا هو التحدي الأخلاقي والسياسي الذي يواجه الجزائر اليوم.


نسرين ج

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page