التاريخ لا يُحاكم… لكنه يَسجن صحفياً : سعد بوعقبة والذاكرة الوطنية
- cfda47
- قبل 4 دقائق
- 2 دقيقة قراءة

أثار قرار وضع الصحفي الجزائري سعد بوعقبة رهن الحبس المؤقت، صدمة واسعة في الأوساط الإعلامية والحقوقية، خاصة وأن الأمر يتعلق بمجرّد مقابلة صحفية، مهما كانت قابلة للنقاش أو الجدل. هذا الإجراء الاستثنائي، الذي يفترض أن يُستخدم فقط في حالات محددة مثل خطر الهروب أو إتلاف الأدلة أو وجود تهديد حقيقي للغير، بدا خارج سياقه تماماً، إذ لا شيء من ذلك قائم في هذه القضية.
قضية سعد بوعقبة تكشف بوضوح تدهور واقع الصحافة في "الجزائر الجديدة"، حيث يُستعمل الحبس المؤقت كأداة لتقييد النقاش التاريخي بدل أن يبقى إجراءً استثنائياً لحالات الخطر الحقيقي. تحويل شخصيات وطنية إلى “رموز مقدسة” يُحصّنها من النقد يجعل الذاكرة الوطنية عقيدة جامدة، ويحوّل العدالة إلى شرطة للروايات الرسمية. ما حدث لا يخص صحفياً واحداً فقط، بل يمسّ حرية الكلمة وقدرتنا الجماعية على مساءلة الماضي وفهمه. الصحافة لا تحتاج إلى السجون، بل إلى فضاء حرّ يحمي الحقيقة والتعدد والشجاعة في مواجهة إرثنا الوطني.
ما يثير القلق هو أن بعض الشخصيات التاريخية تُرفع اليوم إلى مرتبة “الرموز المقدّسة”، وكأن الذاكرة الوطنية يجب أن تُحصَّن من النقاش، وأن تُعبد بدل أن تُفهم، وأن تُحمى بدل أن تُسائل. بهذا المنطق، يتحوّل التاريخ إلى عقيدة جامدة، وتتحوّل العدالة إلى أداة لحراسة الروايات الرسمية، بدل أن تكون وسيلة لحماية الحقوق والحريات.
التاريخ والذاكرة الوطنية لا يُحميهما السجن، بل الحقيقة والتعدد والشجاعة في مواجهة تعقيدات الإرث الوطني. إن الانزلاق نحو تجريم النقاش التاريخي يهدد قدرة المجتمع على مساءلة ماضيه وفهمه، ويحوّل الجهاز القضائي إلى حكم يقرر ما يجوز قوله وما يجب إسكاتُه.
ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي عبّرت عن أسف بالغ لوضع سعد بوعقبة في السجن المؤقت، خاصة بالنظر إلى كبر سنه، وعدم وجود أي خطر منه بعد أن سُحب جواز سفره سابقاً. كثيرون اعتبروا أن القضية تتجاوز شخصاً واحداً، وتمسّ حرية النقاش الجماعي حول الشخصيات التاريخية والأبطال الوطنيين، في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى فتح مساحات للتعدد والاختلاف، لا إلى إغلاقها خلف القضبان.
حكيم ش



تعليقات