الجزائر تدعـو لإصلاح الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي و مجلس الأمن... وتُوخر إصلاح نفسها !
- cfda47
- قبل 4 أيام
- 3 دقيقة قراءة

فيما تواصل الجزائر منذ عام 2019 الترويج دوليًا لإصلاح المنظمات الإقليمية والدولية الكبرى، لا تزال جهود إصلاح الشأن الداخلي تراوح مكانها، رغم وعود رئاسية متكررة بإطلاق حوار وطني جامع ولمّ شمل سياسي شامل. هذه المفارقة الصارخة تثير تساؤلات جدية حول أولويات الدولة: هل يمكن المطالبة بتغيير النظام العالمي قبل إنجاز تسوية وطنية داخلية فعلية؟
مفارقة مركزية في المشهد الجزائري، خطاب خارجي إصلاحي قوي مقابل انسداد داخلي مزمن. هذه المفارقة ليست مجرد تناقض بل تحمل دلالات سياسية عميقة حول أولويات النظام، وطرق توظيف الإصلاح كأداة رمزية أكثر منه مسارًا فعليًا.
إصلاح العالم منذ 2019... من الجامعة إلى النظام المالي الدولي
منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في ديسمبر 2019، تبنت الجزائر خطابًا دبلوماسيًا يقوم على الدعوة إلى إصلاح معمّق للمؤسسات الدولية.
ففي نوفمبر 2021، أعلن الرئيس تبون صراحة أن “تحديث منظومة عمل الجامعة العربية” سيكون من أولويات قمة الجزائر (التي انعقدت فعليًا في نوفمبر 2022). الجزائر دعت إلى تغيير آليات اتخاذ القرار وإلى تقاسم المناصب القيادية بدل احتكارها.
وفي سبتمبر 2025، دعا وزير الخارجية أحمد عطاف رسميًا إلى “إطلاق عملية إصلاح جديدة” لهياكل السلم والأمن الإفريقي، مشيرًا إلى أن بعض الآليات الإفريقية بقيت معطلة رغم مرور سنوات على إنشائها.
وفي نوفمبر 2023، وخلال قمة لجنة العشرة الإفريقية المعنية بإصلاح مجلس الأمن، طالب الرئيس تبون، عبر كلمة ألقاها الوزير عطاف، بإنهاء ما سماه “الظلم التاريخي ضد إفريقيا”، وتوسيع عضوية المجلس بما يشمل مقاعد دائمة للقارة. وفي أكتوبر 2025، جدّد مندوب الجزائر بالأمم المتحدة نفس المطلب، مؤكدًا أن المجلس بحاجة إلى “إصلاح عاجل وشامل”.
و بجوهانسبرج أمس دعا الرئيس تبون، عبر رسالة رسمية، إلى شطب ديون إفريقيا أو تحويلها إلى استثمارات، وطالب بـ“إصلاح شامل” لمؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، لجعلها أكثر تمثيلًا وعدلًا.
...لكن ماذا عن الداخل؟
في المقابل، تعثّرت محاولات الإصلاح الداخلي بشكل لافت. فقد أطلق الرئيس تبون في مايو 2022 مبادرة “لم الشمل” بوصفها مدخلًا لحوار وطني شامل. رُوّج لها على أنها ستؤسس لجبهة داخلية متماسكة، وتعيد الاعتبار للمصالحة الداخلية.
لكن بعد مشاورات محدودة مع بعض الأحزاب، تحوّلت المبادرة إلى مشروع قانون للعفو عن بقايا جماعات العشرية السوداء، دون أن تشمل القوى السياسية والمدنية التي تطالب بإصلاح سياسي حقيقي أو معتقلي الحراك.
وفي ديسمبر 2024، أعلن تبون أمام البرلمان عزمه إطلاق “حوار وطني شامل”، قيل إنه سيضم كافة القوى السياسية لمراجعة القوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. رحّبت الأحزاب بهذا الإعلان، لكن حتى نهاية 2025، لم يُعقد أي لقاء وطني جامع، ولم يُعلن عن خارطة طريق واضحة أو جدول زمني. المبادرة بقيت معلّقة، في انتظار “الظروف المناسبة”، بينما استمر التضييق السياسي والإعلامي، وغياب التمثيل الحقيقي للمعارضة.
مفارقة مكشوفة
الجزائر تطالب اليوم بإصلاح قواعد اللعبة العالمية، بينما تُبقي قواعد اللعبة الداخلية دون تغيير فعلي. ترفع شعار “العدالة الدولية” في نيويورك وجوهانسبرغ، بينما تُرجئ تحقيق العدالة السياسية والمصالحة في الداخل. تبنّت خطابًا قويًا ضد “الإقصاء الدولي”، لكنها مارست الإقصاء الداخلي عمليًا، سواء عبر تجاهل مطالب المعارضة أو غياب الانفتاح الإعلامي أو إبقاء معتقلي الرأي خلف القضبان.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: كيف تطالب دولة بإصلاح العالم، وهي لم تحسم بعد ملف إصلاح بيتها الوطني؟ ما معنى المطالبة بإعطاء صوت أكبر لإفريقيا في مجلس الأمن، بينما لا يزال جزء كبير من المجتمع السياسي والمدني في الجزائر خارج دوائر الفعل والتأثير؟
بينما يُسجَّل للجزائر أنها دفعت بخطاب إصلاحي دولي مبدئي يحظى بدعم دول الجنوب، فإن أولى الإصلاحات التي ينتظرها الجزائريون لا تزال مؤجّلة. لا إصلاح دستوري عميق بعد دستور 2020، لا حوار سياسي جامع، ولا انفراج داخلي يُذكر. وإذا كانت الأمم المتحدة قد صمدت 80 عامًا دون إصلاح، فإن الجزائر لم يعد بإمكانها أن تصمد أكثر دون فتح صفحة إصلاح داخلي جدّي. فالإصلاح يبدأ من الداخل... قبل أن يُصدَّر إلى العالم.
حاج إبراهيم



تعليقات