top of page

العنف المصوّر في الجزائر : انتهاك مزدوج للكرامة والحق في الأمان

  • cfda47
  • قبل دقيقتين
  • 3 دقيقة قراءة
ree

ظاهرة العنف المصوّر في الجزائر ليست مجرد انحراف فردي، بل مؤشر على أزمة بنيوية تتطلب تدخلًا عاجلًا من الدولة والمجتمع المدني لحماية الكرامة الإنسانية والحق في الأمان.


في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة العنف المصوّر في الجزائر كواحدة من أخطر أشكال الانتهاك الرمزي والجسدي، حيث لم يعد العنف مقتصرًا على الفعل، بل أصبح يُوثّق ويُعرض على الملأ، ما يضاعف من أثره النفسي والاجتماعي. هذه الظاهرة ترتبط بتنامي العصابات الحضرية، هشاشة المؤسسات، وتراجع الردع المجتمعي، كما تؤشر إلى تحولات عميقة في ديناميات الهيمنة والاحتقار داخل الفضاء العام.


ملامح الظاهرة

بثّ فيديوهات الاعتداء في السياق الجزائري، كما في حالات أخرى عالميًا، لا يُعد مجرد توثيق بل يحمل أغراضًا متعددة تتراوح بين الهيمنة، الترويع، والتفاخر.


  • توثيق الاعتداءات: تنتشر مقاطع فيديو تُظهر شبابًا يتعرضون للضرب، الطعن، أو الإذلال، غالبًا في أحياء شعبية، ويتم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي.

  • أدوات العنف: السيوف والسكاكين عادت لتفرض حضورها في شوارع المدن، خصوصًا في مناطق مثل الشلف، الأغواط، وبواسماعيل.

  • الرمزية: تصوير الضحية عاري الجسد أو في وضعية مذلة يُعد فعلًا مضاعفًا من الهيمنة، حيث يتحول الجسد إلى ساحة استعراض للقوة والسيطرة.


الأسباب البنيوية

تنتشر ظاهرة العنف المصوّر في الجزائر نتيجة تداخل عوامل اجتماعية، نفسية، ورمزية. فالهشاشة الاقتصادية والبطالة تدفع الشباب نحو العصابات الحضرية، حيث يُستخدم التوثيق كأداة هيمنة وتفاخر.


ضعف الردع القانوني، وتراجع دور الأسرة والمدرسة، يُساهمان في تطبيع العنف كوسيلة للتعبير أو الانتقام.


أما وسائل التواصل الاجتماعي، فتحولت إلى فضاء مفتوح لترويج مشاهد الإذلال، في ظل غياب المواطنة الرقمية، ما يجعل من كل اعتداء مصوّر فعلًا مزدوجًا من العنف والترويع الرمزي.


  • الهشاشة الاجتماعية: الفقر، البطالة، وانعدام الأفق لدى الشباب تُغذي هذه الممارسات، خاصة في الأحياء المهمشة.

  • تفكك القيم التقليدية: تآكل منظومات الردع الأخلاقي، وتراجع دور الأسرة والمدرسة، ساهم في تطبيع العنف كوسيلة للتعبير أو الانتقام.

  • ضعف الردع القانوني: رغم تدخل السلطات في بعض الحالات، إلا أن غياب سياسة وقائية واضحة يُبقي الظاهرة في تصاعد مستمر.


الأثر النفسي والاجتماعي

ظاهرة العنف المصوّر تترك أثرًا عميقًا ومركّبًا في المجتمع الجزائري، يتجاوز الصدمة اللحظية إلى زعزعة الإحساس الجماعي بالأمان والكرامة.


  • الصدمة الجماعية: مشاهدة العنف المصوّر تُحدث أثرًا نفسيًا عميقًا، خاصة لدى الأطفال والمراهقين، وتُغذي مشاعر الخوف واللامبالاة.

  • ردود فعل شعبية: تتنوع بين الغضب، المطالبة بالعدالة، أو حتى إعادة نشر الفيديوهات، ما يخلق جدلًا حول حدود الحرية والمسؤولية الرقمية.


التحديات المطروحة

تطرح ظاهرة العنف المصوّر في الجزائر جملة من التحديات البنيوية والمعنوية، أبرزها غياب سياسة وقائية واضحة، وضعف الردع القانوني تجاه توثيق ونشر مشاهد الإذلال.


كما تواجه الدولة أزمة ثقة متفاقمة، حيث يرى المواطنون أن العدالة بطيئة أو غائبة، ما يُغذي مناخ الإفلات من العقاب.


على المستوى المجتمعي، يُسجَّل تراجع في التربية على المواطنة الرقمية، وتفكك في منظومات الردع الأخلاقي، ما يُصعّب مهمة الوقاية والتوعية. أما على الصعيد الحقوقي، فالتحدي الأكبر يكمن في حماية الضحايا من إعادة الإيذاء الرمزي، وضمان محاكمات عادلة تُدين الفعل والنشر معًا.


  • حماية الكرامة الجسدية: ضرورة تجريم تصوير ونشر مشاهد الإذلال، وتوفير آليات دعم نفسي للضحايا.

  • التربية على المواطنة الرقمية: إدماج مفاهيم المسؤولية الأخلاقية في استخدام وسائل التواصل، خاصة لدى الشباب.

  • إعادة بناء الردع المجتمعي: عبر تعزيز دور الأسرة، المدرسة، والجمعيات في الوقاية من العنف.


توصيات حقوقية

عدم الخوف من القانون هو أحد المحركات الأساسية لانتشار ظاهرة العنف المصوّر في الجزائر، ويُعبّر عن أزمة ثقة مزدوجة: من جهة، ثقة الجناة في الإفلات من العقاب، ومن جهة أخرى، فقدان المجتمع لليقين بأن العدالة ستُنجز فعلًا.


مراجعة التشريعات وتعديل القوانين لتشمل تجريم التوثيق العنيف ونشره، وتحديد عقوبات واضحة. ضمان المحاكمة العادلة وحماية حقوق الضحايا في المسار القضائي، وضمان عدم إعادة إيذائهم عبر تداول المحتوى ودعم الضحايا نفسيًا بإنشاء مراكز استقبال واستماع للضحايا، وتوفير دعم نفسي واجتماعي.


حكيم ش

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page