بين التقييد والرقابة : بيان منظمة المحامين يثير جدلًا حول حرية التعبير القانونية في الجزائر
- cfda47
- 28 سبتمبر
- 2 دقيقة قراءة

في خطوة أثارت موجة من الانتقادات داخل الأوساط القانونية والحقوقية، أصدر مجلس منظمة المحامين بالجزائر العاصمة بيانًا يمنع المحامين من الظهور الإعلامي دون ترخيص كتابي مسبق من النقيب. القرار، الذي استند إلى مواد قانونية داخلية، جاء في توقيت حساس، مباشرة بعد محاورة إعلامية أجرتها إذاعة "من لا صوت لهم" مع هيئة الدفاع عن الناشطة الحقوقية نصيرة ديتور، ما دفع العديد إلى اعتباره ردًا سياسيًا أكثر منه إجراءً تنظيميًا.
في لحظة حرجة من تاريخ العدالة الجزائرية، حيث تتعاظم أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات، يُصدر مجلس منظمة المحامين بالجزائر العاصمة بيانًا يُلزم المحامين بالحصول على إذن كتابي مسبق قبل أي ظهور إعلامي. القرار، الذي جاء في أعقاب محاورة إعلامية لهيئة الدفاع عن الناشطة الحقوقية نصيرة ديتور، لا يمكن قراءته خارج سياق سياسي يُعيد إنتاج منطق الرقابة داخل مهنة يُفترض أن تكون حامية للحق، لا خاضعة له.
تقييد أم تنظيم؟ قراءة في مضمون البيان
البيان يُلزم كل محامٍ بالحصول على إذن مسبق قبل المشاركة في أي برنامج تلفزيوني أو إذاعي أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي، محذرًا من "الانزلاق في نقاشات سياسية أو اجتماعية لا تدخل ضمن اختصاص المحامي". ويُهدد باتخاذ إجراءات تأديبية ضد المخالفين، مستندًا إلى المادة 12 من قانون المهنة والمادة 98 من النظام الداخلي التي تحظر الإشهار والدعاية الشخصية.
لكن هذا التبرير القانوني أثار جدلًا واسعًا، إذ اعتبره كثيرون خلطًا بين الإشهار المهني، الذي يُمنع قانونًا، وبين المشاركة في النقاشات القانونية أو الحقوقية التي تهم المجتمع. فالمحامي الذي يُفسّر خلفيات قانونية لقضية رأي عام لا يُروّج لنفسه، بل يُمارس دوره التوعوي، ويُعيد الاعتبار للعدالة في نظر المواطن.
ازدواجية في التطبيق: من يُمنح حق الكلام؟
اللافت أن بعض المحامين الموالين للسلطة يظهرون بشكل شبه يومي في الإعلام الرسمي دون أن يُطلب منهم ترخيص أو يُحاسبوا على تصريحاتهم، ما يُكرّس تمييزًا غير معلن داخل الجسم المهني. هذا التمييز يُضعف ثقة المواطن في استقلالية المحاماة، ويُحوّل المهنة إلى دائرة مغلقة تُدار بمنطق الولاء لا بمنطق الكفاءة أو الالتزام الحقوقي.
أزمة رمزية في لحظة حرجة
في بلد يعاني من أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات، يُفترض أن يكون المحامي صوتًا للعدالة، لا موظفًا خاضعًا للرقابة. البيان الأخير يُهدد هذه الرمزية، ويُعيد إنتاج منطق الصمت المهني في لحظة تحتاج فيها الجزائر إلى أصوات قانونية حرة، تُفسّر وتُدافع وتُضيء المسارات الحقوقية.
عدد من المحامين والناشطين عبّروا عن قلقهم من أن يُستخدم القرار لتصفية الأصوات النقدية، خاصة تلك المنخرطة في الدفاع عن قضايا الحريات والعدالة الانتقالية. وطالبوا بتوضيح معايير الترخيص، وضمان عدم استخدام التنظيم المهني كأداة رقابة سياسية.
دعوات لإصلاح التنظيم المهني
في ظل هذا الجدل، تتصاعد الدعوات لإعادة النظر في آليات التنظيم المهني، وضمان ألا تتحوّل إلى أدوات تكميم، بل إلى فضاءات لحماية الكلمة القانونية الحرة، خصوصًا حين تكون في خدمة العدالة والحقوق. فالمحاماة ليست مجرد مهنة، بل ضمير حيّ للمجتمع، يُفترض أن يُسمع لا أن يُراقَب.
في بلد يحتاج إلى أصوات قانونية حرة، تُفسّر وتُدافع وتُضيء المسارات الحقوقية، يُصبح تقييد المحامي بمثابة تكميم للضمير المهني، وتفريغ للدور الرمزي الذي يُفترض أن يلعبه في الفضاء العام. فالمحامي ليس موظفًا يُنتظر منه الصمت، بل حامل لقضايا المجتمع، وصوت للعدالة حين تُصادرها السلطة أو تُشوّهها المنظومة.
إن استقلالية المحاماة لا تُحمى بالبيانات، بل بضمان حق التعبير، ورفض التمييز، ومواجهة منطق الرقابة الذي يُهدد بتحويل المهنة إلى امتداد إداري للسلطة، بدل أن تكون سلطة مضادة تُدافع عن الحقوق، وتُعيد الاعتبار للعدالة في زمن التعتيم.


حكيم ش



تعليقات