صلاحيات وكيل الجمهورية الجديدة : بين تسريع العدالة وتوسيع السلطة
- cfda47
- قبل دقيقتين
- 2 دقيقة قراءة

مع دخول قانون الإجراءات الجزائية الجديد رقم 25-14 حيّز التنفيذ في الثالث من أوت 2025، تشهد المنظومة القضائية الجزائرية تحولًا نوعيًا في دور وكيل الجمهورية، الذي لم يعد يقتصر على تحريك الدعوى العمومية، بل أصبح يمتلك صلاحيات تقديرية واسعة تمكّنه من توجيه المتابعات، بل وإنهائها بطرق جديدة تجمع بين المرونة والصرامة. هذا التوسع في الصلاحيات يثير جدلًا واسعًا بين من يراه خطوة نحو عدالة أكثر فعالية، ومن يعتبره تهديدًا لمبدأ الفصل بين السلطات وضمانات المحاكمة العادلة.
مع دخول قانون الإجراءات الجزائية حيّز التنفيذ، أطلقت الحملة الإعلامية "النيابة بين السلطة والعدالة" بهدف توعية الجمهور وتحفيز النقاش حول الصلاحيات الجديدة الممنوحة لوكيل الجمهورية، والتي تشمل إصدار أوامر بالإيداع، اعتماد الوساطة والصلح، نشر صور المتهمين، والتحقيق في مصادر الأموال.
من الاتهام إلى التسيير القضائي
وفقًا للمواد الجديدة، بات بإمكان وكيل الجمهورية إصدار أوامر بالإيداع في حالة التلبس، دون انتظار قرار القاضي، شرط عرض الملف على المحكمة خلال خمسة أيام. كما أُدرجت آليات بديلة لتسيير الدعوى، مثل الصلح، الوساطة في أكثر من عشرين جنحة، والاعتراف بالذنب مقابل تخفيف العقوبة. هذه الإجراءات تهدف إلى تقليص زمن التقاضي وتخفيف الضغط على المحاكم، لكنها تضع النيابة في موقع شبه قضائي، ما يثير تساؤلات حول استقلالية القرار القضائي.
الأمر الجزائي والمثول الفوري: تسريع أم اختزال؟
من بين أبرز المستجدات أيضًا، تفعيل إجراء "الأمر الجزائي" الذي يسمح للقاضي بالفصل دون مرافعة، و"المثول الفوري" في قضايا الجنح المهيأة للفصل. ورغم أن هذه الآليات قد تساهم في تسريع البت في القضايا، إلا أن اختزال المرافعة يطرح مخاوف حول ضمان حق الدفاع، خاصة في القضايا التي تتطلب تعمقًا في الوقائع والملابسات.
نشر الصور والهويات: بين الردع والتشهير
المادة 19 من القانون الجديد تمنح النيابة صلاحية نشر صور وهوية المتورطين في جرائم خطيرة، مثل المخدرات والتهريب، بهدف حماية الأمن العام وتسريع توقيفهم. غير أن هذا الإجراء يثير جدلًا قانونيًا وأخلاقيًا، إذ يُخشى أن يتحول إلى أداة تشهير تنتهك قرينة البراءة، وتؤثر على مجرى المحاكمة قبل صدور الحكم النهائي.
المتابعة المالية والمنع من السفر: أدوات ردع أم وسائل ضغط؟
منح وكيل الجمهورية صلاحية التحقيق في مصادر أموال المشتبه فيهم داخل وخارج الجزائر، مع إمكانية الحجز التحفظي والمنع من السفر، يمثل خطوة مهمة في مكافحة الجريمة المنظمة. إلا أن غياب آليات رقابة مستقلة قد يحوّل هذه الإجراءات إلى وسائل ضغط، خصوصًا في القضايا ذات الطابع السياسي أو الاقتصادي الحساس.
بين الفعالية والضمانات: أي عدالة نريد؟
لا شك أن القانون الجديد يعكس إرادة سياسية لتحديث العدالة وتعزيز فعاليتها، لكنه في المقابل يضع النيابة في موقع مركزي قد يهدد التوازن المؤسساتي. المطلوب اليوم ليس فقط تفعيل هذه الصلاحيات، بل ضمان استخدامها في إطار احترام الحقوق والحريات، وتحت رقابة قضائية حقيقية. فعدالة سريعة لا تعني بالضرورة عدالة عادلة، والفعالية لا يجب أن تكون على حساب الضمانات الأساسية للمواطن.
نسرين ج
تعليقات