top of page

لافروف يشكك في شرعية الحدود الجزائرية : حين تُمسّ السيادة... وتصمت الدولة

  • cfda47
  • قبل يومين
  • 3 دقيقة قراءة
ree

في تصريح أثار موجة من الغضب والاستنكار داخل الأوساط الجزائرية، لمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال ندوة صحفية يوم 14 أكتوبر 2025، إلى أن الحدود الجزائرية مع مالي "مشكوكة فيها"، معتبرًا أن التوترات الحالية بين البلدين تعود إلى "تقسيم استعماري غير عادل" فصل بين الجماعات العرقية، وعلى رأسها الطوارق. هذا التصريح، الذي جاء ردًا على سؤال من صحفية جزائرية، اعتُبر تجاوزًا خطيرًا للأعراف الدبلوماسية، ومساسًا مباشرًا بالسيادة الوطنية الجزائرية.


في عالمٍ تتغيّر فيه التحالفات وتُختبر فيه المبادئ، لم يكن تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مجرّد زلّة لسان دبلوماسية. بل كان، في جوهره، تشكيكًا ضمنيًا في شرعية حدود الجزائر، وتلميحًا خطيرًا بإمكانية إعادة النظر في ما يُفترض أنه غير قابل للنقاش: السيادة الوطنية.


أن يصدر هذا التصريح من شريك استراتيجي تقليدي، وفي لحظة إقليمية شديدة الحساسية، فذلك لا يُعدّ فقط تجاوزًا للأعراف، بل صفعة سياسية تستدعي ردًّا سياديًا واضحًا. لكن الرد لم يأتِ. لا بيان، لا استدعاء، لا توضيح. صمتٌ رسميٌّ يُثير من الأسئلة أكثر مما يطمئن.


إيحاءات خطيرة في خطاب غير مسبوق

لافروف لم يذكر الجزائر بالاسم، لكنه أشار إلى أن "الحدود المستقيمة التي رسمها الاستعمار فصلت بين شعوب متقاربة"، في إشارة واضحة إلى الطوارق الذين يتوزعون بين الجزائر ومالي والنيجر. هذا الخطاب، الذي يُعيد إنتاج سردية استعمارية حول "الحدود المصطنعة"، يُعد خروجًا عن الموقف الروسي التقليدي الذي طالما احترم السيادة الجزائرية، خاصة في ظل العلاقات التاريخية بين البلدين.


صمت رسمي جزائري... واستياء شعبي متصاعد

رغم خطورة التصريح، لم يصدر أي رد رسمي من السلطات الجزائرية حتى الآن، ما أثار موجة من الانتقادات في الإعلام المحلي وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وُصف الصمت بأنه "تواطؤ دبلوماسي" أو "عجز في مواجهة الإهانة"، خاصة أن الجزائر تُقدَّم رسميًا كـ"قوة ضاربة" في المنطقة. النائب يعقوبي، من أبرز الأصوات المنتقدة، اعتبر أن "التبعية التقنية" لروسيا لم تُثمر سوى شعارات فارغة، وأن الجزائر تُعامل كدولة هامشية في الخطاب الروسي الجديد.


خلفيات التوتر: الجزائر ومالي والطوارق

التصريحات جاءت في سياق توتر متصاعد بين الجزائر ومالي، بعد اتهامات متبادلة حول دعم جماعات مسلحة في منطقة أزواد. الجزائر، التي تستضيف قادة من حركة تحرير أزواد، تُتهم من طرف باماكو بالتدخل في الشأن الداخلي المالي، بينما ترى الجزائر أن لها دورًا تاريخيًا في الوساطة وحفظ الاستقرار في الساحل. تصريحات لافروف، إذًا، تُعيد رسم خريطة التحالفات، وتُظهر ميلًا روسيًا نحو دعم موقف مالي، على حساب الجزائر.


قراءة في الموقف الروسي الجديد

هل تعكس تصريحات لافروف تحولًا استراتيجيًا في السياسة الروسية تجاه شمال إفريقيا؟ بعض المحللين يرون أن موسكو تسعى لتعزيز نفوذها في الساحل الإفريقي عبر دعم الأنظمة العسكرية، مثل المجلس العسكري في مالي، حتى لو كان ذلك على حساب شركاء تقليديين مثل الجزائر. هذا التحول قد يُفسَّر في إطار المنافسة الجيوسياسية مع فرنسا والولايات المتحدة، ومحاولة روسيا لعب دور الوسيط في نزاعات الحدود والهوية.


أزمة سيادة أم أزمة نظام؟

الجدل لا يقتصر على مضمون التصريح، بل يمتد إلى طبيعة الرد الجزائري. يرى كثيرون أن النظام الجزائري يُظهر صرامة داخلية في قمع الحريات، لكنه عاجز عن الدفاع عن السيادة في المحافل الدولية. هذا التناقض يُغذي خطابًا نقديًا متصاعدًا حول شرعية النظام، وفعاليته في حماية المصالح الوطنية.


هل أصبحت الجزائر، التي تُقدَّم على أنها "القوّة الضاربة"، عاجزة عن الدفاع عن حدودها في وجه الحلفاء قبل الخصوم؟ وهل باتت السيادة موضوعًا قابلًا للتفاوض في دهاليز المصالح الجيوسياسية؟


ما قاله لافروف ليس تفصيلًا. إنه اختبار. اختبار لكرامة الدولة، لصلابة خطابها، ولقدرتها على فرض احترامها في المحافل الدولية. والنتيجة حتى الآن: خذلانٌ مزدوج—للشعب أولًا، وللتاريخ ثانيًا.


إنّ من لا يردّ على التشكيك في حدوده، لا يملك الحق في قمع من يرفع صوته داخلها.



حكيم ش

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page