top of page

جدل بخصوص تصريحاته العنصرية: عندما يصبح بلغيث مؤرّخًا تصبح الأمازيغية مؤامرة

  • cfda47
  • 2 مايو
  • 3 دقائق قراءة

في مشهد ثقافي وسياسي يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التهدئة والبناء، تأتي تصريحات "المؤرخ" محمد أمين بلغيث، لتصب الزيت على نار قديمة لم تنطفئ بعد. حين يصف الأمازيغية بأنها “صنيعة استخباراتية فرنسية وصهيونية”، فهو لا يدلي برأي تاريخي، بل ينخرط في خطاب إقصائي خطير يهدد وحدة الوعي الوطني الجزائري في عمقه الأصيل.


محمد أمين بلغيث أثار جدلًا واسعًا بسبب تصريحاته حول الأمازيغية، حيث وصفها بأنها "صناعة فرنسية وإسرائيلية"، وهو ما اعتبره كثيرون موقفًا عنصريًا ومناقضًا للحقائق التاريخية. بلغيث ادّعى أيضًا أن "الطوارق عرب"، متجاهلًا أن لغتهم، تمهاق، هي إحدى متغيرات اللغة الأمازيغية.


هذه التصريحات أثارت انتقادات حادة من الباحثين والمؤرخين الذين أكدوا أن الأمازيغية لغة قديمة تعود إلى آلاف السنين، وكانت موجودة قبل ظهور الدول الحديثة مثل فرنسا وإسرائيل. الجدل حول هذه القضية يعكس التوتر المستمر في الجزائر بشأن الهوية الأمازيغية ومكانتها في المجتمع والسياسة.


ليست القضية مجرد سقطة لفظية عابرة، بل إهانة ممنهجة لملايين الجزائريين المنتمين لأمازيغيتهم بقدر انتمائهم لوطنيتهم، بل وربما أكثر. التاريخ لا يُكتب بمنطق المؤامرة، ولا تُبنى الأوطان على إنكار مكوّناتها. فالتشكيك في أحد أسس الهوية الوطنية هو تفكيك للثقة في الوطن ذاته.


إن ما تفوه به بلغيث في قناة سكاي نيوز، لا يسيء فقط إلى الذاكرة الثقافية، بل يحوّل النقاش الأكاديمي إلى سلاح أيديولوجي ضد التعدد والانفتاح، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى مصالحة تاريخية شاملة مع ذاتها، لا إلى إعادة إنتاج خطابات الإقصاء والتشكيك.


الأخطر في المشهد هو الصمت الرسمي. السكوت أمام هذا النوع من التصريحات قد يُقرأ على أنه تواطؤ صامت أو قبول ضمني، وهو ما يزيد من حدة الاستقطاب داخل المجتمع، ويُشرعن ثقافة الكراهية والتشكيك في الانتماء.


الصمت الرسمي في مواجهة الجدل حول تصريحات محمد أمين بلغيث يعكس ترددًا أو ربما تجاهلًا لقضايا الهوية الأمازيغية في الجزائر. ويمكن أن يكون له تأثير عميق وطويل المدى على النقاشات حول الهوية الأمازيغية في الجزائر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاعتراف الثقافي والسياسي. هذا التجاهل يمكن أن يساهم في تعزيز الشعور بالإقصاء بين الأمازيغ، مما يؤدي إلى استمرار الجدل حول حقوقهم اللغوية والثقافية.


في حين أن هذه التصريحات أثارت غضب الكثيرين، لم يصدر أي رد رسمي واضح، مما يترك المجال للتأويلات ويثير تساؤلات حول مدى التزام الدولة بحماية التعددية الثقافية. غياب موقف حكومي واضح قد يُفسَّر على أنه موافقة ضمنية أو عدم رغبة في الدخول في هذا النقاش، خصوصًا مع حساسية موضوع الأمازيغية في السياق السياسي الجزائري. الصمت قد يكون أيضًا محاولة لتجنب تصعيد الجدل، لكن في المقابل، يترك المجال مفتوحًا أمام المواقف المتطرفة التي يمكن أن تؤثر على التعايش بين مكونات المجتمع.


عدم اتخاذ موقف واضح قد يسمح لبعض الخطابات المتطرفة بالانتشار دون مساءلة، مما يزيد الانقسامات داخل المجتمع. على المدى الطويل، غياب تدخل حكومي لحل هذه التوترات يمكن أن يؤثر على التماسك الوطني ويعزز مطالب أكبر بالإصلاحات الثقافية والسياسية.


الجزائر اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تؤكد الدولة التزامها بدستور يكرّس الأمازيغية كلغة وهوية وطنية، أو أن تفتح الباب لخطابات الهوية المسمومة، التي تمهّد لتشظي اجتماعي لا تُحمد عقباه.


الرهان الآن على يقظة المجتمع المدني، ونباهة المثقفين الوطنيين، للدفاع عن التنوع كقيمة مؤسسة للجزائر، لا كخطر يجب محوه. لقد دفعت الجزائر ثمناً باهظاً لأجل استقلالها ووحدتها، ولن يكون من المقبول السماح لمنابر تلفزيونية أو أصوات فردية بأن تعيدنا إلى منطق “من هو الجزائري الحقيقي؟”.


الأمازيغية هي لغة وثقافة غنية تعود إلى آلاف السنين، وهي جزء أساسي من هوية شعوب شمال إفريقيا، خاصة في المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا. تُعرف أيضًا باسم "تمازيغت"، وهي لغة رسمية في المغرب والجزائر، وتُكتب بحروف تيفيناغ، التي تُعتبر من أقدم الأبجديات في العالم.


الأمازيغ ليسوا مجرد مجموعة لغوية، بل هم شعب ذو تاريخ طويل يمتد عبر الحضارات المختلفة، من نوميديا القديمة إلى العصر الحديث. رغم محاولات الطمس والتهميش، حافظ الأمازيغ على لغتهم وثقافتهم، وشهدت السنوات الأخيرة جهودًا متزايدة لإحياء وتعزيز الهوية الأمازيغية، سواء من خلال التعليم أو الإعلام أو الفنون.


لا توجد إشارات واضحة على تغييرات جوهرية في موقف الدولة الجزائرية تجاه الأمازيغية. رغم أن الجزائر اعترفت بالأمازيغية كلغة رسمية في دستور 2016، إلا أن التطبيق العملي لهذه الخطوة لا يزال محدودًا، سواء في التعليم أو الإعلام. في المقابل، هناك ضغط متزايد من المجتمع المدني، خاصة من الأكاديميين والنشطاء، الذين يطالبون بمزيد من الاعتراف العملي وليس فقط الرمزي.


الركود في الموقف الرسمي يمكن أن يكون نتيجة حسابات سياسية أو حذر مؤسساتي، لكن مع استمرار النقاشات والتطورات في المنطقة، قد نرى تغييرات تدريجية، خاصة مع تصاعد المطالب الشعبية والدولية بخصوص التنوع الثقافي.

حكيم ش

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page