فضيحة الطبيب المزيف في البليدة : أين وزارة الصحة من حماية أرواح الجزائريين ؟
- cfda47
- 7 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة

في حادثة صادمة هزّت الرأي العام الجزائري، تم توقيف شاب لا يتعدى مستواه الدراسي السنة الأولى ثانوي، بعد أن انتحل صفة طبيب جراح مختص في أمراض القلب داخل مستشفى فرانتز فانون بالبليدة. الشاب أجرى عمليات جراحية، ونجح في التسلل إلى الطاقم الطبي دون أن يُكتشف أمره إلا بعد فترة طويلة. هذه الواقعة تفتح الباب واسعًا أمام أسئلة جوهرية حول مسؤولية وزارة الصحة، وفعالية منظومة الرقابة داخل المؤسسات الاستشفائية.
في واحدة من أكثر الحوادث غرابة وخطورة في تاريخ القطاع الصحي الجزائري، تم توقيف شاب لا يتجاوز مستواه الدراسي السنة الأولى ثانوي، بعد أن مارس لسنوات دور طبيب جراح مختص في أمراض القلب داخل مستشفى فرانتز فانون بالبليدة. الحادثة، التي كشفتها مصالح الأمن الداخلي للمستشفى، تطرح أسئلة حارقة حول الرقابة، المسؤولية، والخلل البنيوي في منظومة الصحة العمومية.
من المسؤول؟
وزارة الصحة، بصفتها الجهة الوصية على القطاع، تتحمل مسؤولية مباشرة في ضمان سلامة المرضى، والتحقق من كفاءة الطواقم الطبية. كيف يمكن لشخص لا يملك حتى شهادة البكالوريا أن يمارس الجراحة في مؤسسة جامعية؟ أين كانت لجان التوظيف؟ أين كانت إدارة المستشفى؟ أين كانت الوزارة؟
حسب مصادر متقاطعة، فإن المشتبه فيه كان يرتدي المئزر الأبيض، يتنقل بين الأقسام، ويشارك في العمليات الجراحية دون أن يثير الشكوك. تم توقيفه نهاية الأسبوع الأول من أكتوبر 2025، بعد أن حاول الفرار عند مطالبته بالكشف عن هويته المهنية.
التحقيقات الأولية كشفت أنه لا يملك أي شهادة طبية، وأن مستواه الدراسي لا يتعدى السنة الأولى ثانوي. الأدهى أن هذا الشخص يُزعم أنه شارك في أكثر من 500 عملية جراحية ناجحة، كلها داخل ولاية البليدة، ما يثير علامات استفهام حول مدى التحقق من الكفاءات داخل المؤسسات الصحية.
هذه الحادثة ليست مجرد "خطأ إداري"، بل هي انهيار أخلاقي ومؤسساتي يضع حياة المواطنين على المحك.
500 عملية ناجحة؟ أم 500 عملية في غياب الدولة؟
الرقم المتداول عن إجراء هذا الشخص لـ500 عملية جراحية ناجحة يثير الذهول، لكنه يطرح أيضًا سؤالًا مريرًا: هل النجاح في العمليات أصبح معيارًا يغني عن الشهادة؟ وهل يمكن للوزارة أن تتذرع بـ"النتائج" لتغض الطرف عن غياب الكفاءة؟ إن صحّ هذا الرقم، فهو لا يُحسب للطبيب المزيف، بل يُدين المنظومة التي سمحت له بالوصول إلى غرفة العمليات.
هذه الحادثة لا تمثل فقط خرقًا قانونيًا، بل تحمل رمزية أخلاقية عميقة. إنها تعكس كيف يمكن للبيروقراطية أن تتغاضى عن جوهر المهنة الطبية: حماية الحياة. حين تغيب الرقابة، يتحول المستشفى إلى مسرح عبثي، والمريض إلى ضحية محتملة.
وزارة الصحة: غائبة أم متواطئة؟
الصمت الرسمي من طرف وزارة الصحة حتى الآن يثير الريبة. لا بيان توضيحي، لا فتح تحقيق علني، لا اعتراف بالخلل. هذا الغياب يعكس أزمة أعمق: أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسة، وأزمة شفافية في إدارة الأزمات.
في بلد يعاني من نقص الأطباء، وهجرة الكفاءات، وتدهور البنية التحتية الصحية، تصبح مثل هذه الحوادث بمثابة طعنة في قلب الأمل. كيف يمكن للمواطن أن يثق في مستشفى، وهو لا يعرف إن كان الطبيب الذي يعالجه يحمل شهادة أم لا؟ حين تصبح الشهادات مجرد أوراق، وتغيب الرقابة، يتحول المستشفى إلى مسرح عبثي، والمريض إلى ضحية محتملة.
الرمزية الأخلاقية: حين تصبح الحياة لعبة بيروقراطية
بالنظر إلى خطورة حادثة الطبيب المزيف في مستشفى فرانتز فانون بالبليدة، تتصاعد المطالب الشعبية والمهنية باتجاه تحرك عاجل وشامل من طرف السلطات الصحية الجزائرية. هذه المطالب لا تقتصر على رد فعل ظرفي، بل تدعو إلى إصلاحات بنيوية تعيد الاعتبار للثقة في المنظومة الصحية الوطنية.
أولًا، يطالب المواطنون والمهنيون بفتح تحقيق وطني شفاف حول ملابسات الحادثة، يشمل كل الأطراف المعنية، من إدارة المستشفى إلى الجهات الرقابية، ويُعلن نتائجه للرأي العام دون تكتّم أو تبرير.
ثانيًا، هناك دعوة ملحة إلى مراجعة صارمة لإجراءات التوظيف والتحقق من الشهادات، بما يضمن أن كل من يمارس مهنة الطب داخل المؤسسات العمومية يحمل المؤهلات العلمية والمهنية اللازمة، وأنه خضع لآليات تحقق دقيقة قبل مباشرته العمل.
ثالثًا، تُحمّل الأصوات الغاضبة إدارة المستشفى والجهات الرقابية مسؤولية مباشرة، وتطالب بمساءلة من سمح لهذا الشخص بالوصول إلى غرفة العمليات، ومن غضّ الطرف عن غياب الوثائق الرسمية، ومن فشل في حماية المرضى من هذا الخطر.
رابعًا، يُنتظر من وزارة الصحة أن تصدر بيانًا رسميًا واضحًا يشرح الإجراءات المتخذة، ويعترف بالخلل، ويقدم خطة عمل ملموسة لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث، بدلًا من الاكتفاء بالصمت أو التبريرات التقنية.
وأخيرًا، هناك مطلب جماهيري بإطلاق حملة وطنية لإعادة الثقة في المؤسسات الصحية، تشمل تعزيز الرقابة، تحسين ظروف العمل، وتكثيف التواصل مع المواطنين، حتى يشعر المريض أن حياته ليست رهينة الإهمال أو التسيّب الإداري.
هذه المطالب ليست مجرد رد فعل على حادثة فردية، بل تعكس أزمة ثقة أعمق، وتدعو إلى إصلاح جذري يعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية داخل المستشفيات الجزائرية.
نسرين ج
تعليقات