الجزائر : يوم وطني للصحافة… وواقع مهني مأزوم
- cfda47
- قبل 5 أيام
- 3 دقيقة قراءة

في كل 22 أكتوبر، تحتفل الجزائر بـ”اليوم الوطني للصحافة”، ذكرى رمزية تُعيد إلى الأذهان نضالات الصحافيين الجزائريين منذ عهد الاستعمار، وتُكرّس رسميًا منذ 2013 بمرسوم رئاسي أراد أن يُكرّم المهنة ويُعلي من شأنها. لكن خلف الخطابات الرسمية والتكريمات البروتوكولية، يطرح هذا اليوم تساؤلات حادة حول واقع حرية الصحافة، واستقلالية الإعلام، وكرامة الصحافيين في الجزائر.
منذ توليه الحكم في ديسمبر 2019، رفع الرئيس عبد المجيد تبون شعار “إعلام حر ومسؤول”، وأدرج إصلاح الإعلام ضمن أولويات “الجزائر الجديدة”. تم تعديل الدستور (2020) لتكريس حرية التعبير، وصدر قانون جديد للإعلام (2023) يُفترض أنه يُنظم القطاع ويُعزز المهنية.
لكن على أرض الواقع، استُخدمت هذه الإصلاحات لتشديد الرقابة بدل توسيع الحريات. فالقانون الجديد أعاد منطق “الترخيص بدل التصريح”، وفرض قيودًا على التمويل الأجنبي، ووسّع من صلاحيات وزارة الاتصال في سحب الاعتمادات
فرغم الخطاب الرسمي حول “حرية التعبير”، تعرّض العديد من الصحافيين للملاحقة القضائية بتهم فضفاضة مثل “نشر أخبار كاذبة” أو “المساس بالمصلحة الوطنية”. كما أُغلقت عدة مواقع إلكترونية دون قرارات قضائية واضحة، ما يُكرّس مناخًا من الرقابة الذاتية والخوف.
رمزية بلا مضمون؟
شهدت الساحة الإعلامية الجزائرية استقطابًا حادًا، حيث استفادت المؤسسات الموالية للسلطة من الإشهار العمومي والدعم اللوجستي، بينما حُوصرت المنابر المستقلة ماليًا وقانونيًا. الإشهار العمومي تحوّل إلى أداة للولاء السياسي، يُكافَأ به من يُروّج للخطاب الرسمي، ويُعاقَب به من يُمارس النقد أو الاستقصاء.
وتحوّل هذا اليوم، في نظر كثير من الفاعلين الإعلاميين، إلى مناسبة شكلية تُكرّس الخطاب الرسمي أكثر مما تُعبر عن واقع المهنة. تُوزّع الجوائز، تُلقى الخطب، وتُستعرض إنجازات الدولة في “دعم حرية التعبير”، بينما يعيش الصحافيون في ظل تضييقات قانونية، وملاحقات قضائية، وهشاشة اجتماعية متزايدة.
فهل نحتفل بحرية الصحافة أم نُجمّل واقعًا مأزوما؟
صحافة بين المطرقة والسندان
الصحافي الجزائري اليوم يجد نفسه بين مطرقة الرقابة وسندان التجريم. فالقوانين الجديدة، وعلى رأسها قانون الإعلام لسنة 2023، وإن حملت بعض التعديلات، إلا أنها أبقت على منطق “الترخيص بدل التصريح”، ووسّعت من صلاحيات السلطة التنفيذية في ضبط المحتوى الإعلامي، بل وفرضت قيودًا على التمويل والإشهار، مما يُهدد استقلالية المؤسسات الإعلامية ويُكرّس التبعية.
أما على مستوى الممارسة، فلا تزال خطوط التحرير تُرسم في مكاتب غير تحريرية، وتُمارس الرقابة الذاتية كآلية دفاعية في بيئة سياسية لا تتسامح مع النقد، خاصة في القضايا السيادية أو المرتبطة بالمؤسسة العسكرية.
هشاشة مهنية وغياب الحماية
وراء الكواليس، يعيش الصحافي الجزائري في ظروف مهنية هشة: عقود عمل مؤقتة، أجور متأخرة، غياب التغطية الاجتماعية، وانعدام النقابات المستقلة الفاعلة. في المقابل، لا توجد آليات حقيقية لحماية الصحافيين من التعسف أو المتابعة القضائية، ولا من حملات التشهير على المنصات الرقمية.
رغم بعض المؤشرات الإيجابية، مثل الاعتراف بالصحافة الإلكترونية، إلا أن الواقع الإعلامي في عهد تبون اتسم باستمرار منطق السيطرة، وتوظيف الإعلام كأداة سياسية أكثر منه فضاءً للنقاش العام. حرية الصحافة بقيت محصورة في حدود “المسموح به”، بينما ظل الصحافي عرضة للهشاشة القانونية والمهنية.
الإشهار العمومي: مكافأة الولاء أم دعم للمرفق الإعلامي؟
في الجزائر، لا يُوزّع الإشهار العمومي وفقًا لمعايير مهنية واضحة أو مؤشرات أداء إعلامي، بل يُستخدم غالبًا كأداة سياسية لتكريس الولاء ومعاقبة الأصوات المستقلة. المؤسسات الإعلامية التي تُجاري الخطاب الرسمي، أو تتجنب النقد الجاد، تحظى بحصص سخية من الإعلانات العمومية، بينما تُحرم الصحف والقنوات التي تُمارس الصحافة الاستقصائية أو تُسلّط الضوء على قضايا حساسة.
هذا التوزيع غير العادل لا يُهدد فقط استقلالية الإعلام، بل يُشوّه السوق الإعلامية ويُكرّس الرداءة. فبدل أن يكون الإشهار وسيلة لدعم الجودة والمهنية، يتحوّل إلى مكافأة للموالاة، ويُغلق المجال أمام التعددية والتنافس النزيه.
النتيجة؟ مشهد إعلامي يُعيد إنتاج الخطاب الرسمي، يُهمّش القضايا الجوهرية، ويُفرغ الصحافة من دورها الرقابي. في ظل غياب هيئة مستقلة لتنظيم الإشهار، وغياب الشفافية في العقود، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن الحديث عن إعلام حر في ظل اقتصاد إعلامي مُسيّس؟
بين الاحتفاء والمساءلة
اليوم الوطني للصحافة يجب ألا يكون مناسبة للاحتفاء فقط، بل لحظة مساءلة جماعية: أين نحن من صحافة الخدمة العمومية؟ من التعددية الحقيقية؟ من إعلام يُحاسب السلطة بدل أن يُروّج لها؟ من صحافي يُكرّم بعمله لا بولائه؟
إن تكريم الصحافة لا يكون بالجوائز، بل بإصلاح المنظومة القانونية، وضمان استقلالية المؤسسات، وحماية الصحافيين، وفتح المجال العمومي للنقاش الحر. فبدون ذلك، يبقى “اليوم الوطني للصحافة” مجرّد طقس رمزي يُخفي أزمة عميقة في صلب المهنة.
نسرين ج



تعليقات