بعد عام من الرئاسيات : استيراد ضخم، دينار ينهار… واقتصاد بلا إقلاع

تشهد الجزائر موجة استيراد واسعة بعد عام واحد فقط من الانتخابات الرئاسية، في وقت يتجه فيه الدينار إلى مستويات قياسية من التراجع في السوق الموازية، حيث يقترب اليورو من 300 دينار، بينما يراوح السعر الرسمي عند حدود 150 دينار. هذا الفارق غير المسبوق يعكس اختلالًا عميقًا بين الخطاب الرسمي حول “الإقلاع الاقتصادي” وبين الواقع الفعلي للسياسات المتّبعة.

في قطاع الغذاء والماشية، أطلقت السلطات عمليات استيراد ضخمة، أبرزها مليون رأس من الأغنام استعدادًا لعيد الأضحى، إلى جانب توسيع شراء الأبقار والعجول من أوروبا، أميركا الجنوبية والولايات المتحدة. هذه العمليات، التي تُسوّق كخطوات لضمان “الأمن الغذائي”، تكشف اعتمادًا متزايدًا على الخارج بدل بناء سلسلة إنتاج محلية قادرة على تلبية الطلب الوطني.

في النقل، صادقت الرئاسة والحكومة على خطة لجلب 10 آلاف حافلة جديدة لتجديد الأسطول العمومي، بعد ارتفاع الحوادث وحالة الاهتراء الواضحة في وسائل النقل الجماعي. القرار يهدف لامتصاص الضغط الاجتماعي، لكنه يعمّق في الوقت نفسه النزعة الاستهلاكية المعتمدة على الريع بدل تطوير صناعة نقل حقيقية داخلية.

اقتصاديًا، تؤكد تقارير المؤسسات الدولية أن النمو المحقق في السنوات الأخيرة هشّ ويعتمد أساسًا على إنفاق عمومي كبير وعائدات النفط والغاز. ورغم الخطاب الرسمي حول تنويع الاقتصاد، لا تزال المحروقات تمثل محور الإستراتيجية، مع مشاريع تفوق 60 مليار دولار أغلبها موجه للتنقيب والإنتاج، بينما الإصلاحات البنكية وسعر الصرف تبقى مؤجلة أو شكلية.

على المستوى السياسي، تغييرات متكررة في الحكومة وتضييق في هامش المبادرة يزيدان من ضبابية الرؤية الاقتصادية، ويجعلان قرارات الاستثمار والإنتاج رهائن لإدارة أمنية–بيروقراطية لا تمنح القطاع الخاص الوطني بيئة تنافسية واضحة.

بعد عام من الوعود الانتخابية بـ“الإقلاع”، يبدو أن الاقتصاد الجزائري يتجه نحو تعميق النموذج الريعي نفسه: استيراد لحماية السوق، إنفاق عمومي لشراء الوقت، ونظام صرف يعكس فقدان الثقة في العملة الوطنية. النتيجة: اقتصاد يتحرك بالأموال، لا بالإنتاج، ويؤجل المواجهة مع أزماته البنيوية بدل حلّها.